لا تقربوا الجزائر / د. خضر السرحان

لا تقربوا الجزائر

للجزائر خصوصيتها لدى الشعوب الطامحة للحرية، فهي مدرسة ضمّت مايزيد عن مليون ونصف مدرس علموا الأجيال بدمائهم لا بالحبر معنى الشهادة والتضحية والفداء من أجل أن يعيش تلاميذهم ومن بعدهم بحرية. لقد شهد الجميع أن الثورة الجزائرية كانت من أعظم الثورات ضد الاستعمار والظلم والحيف وأن الشعب الجزائري كان من أكرم الشعوب بالدم دفاعا عن أرضه، يقول جلالة الملك حسين رحمه الله حينما استقبل وفد الثورة الجزائرية بقيادة عباس فرحات: “نحن فقراء في هذه الدولة التي ليست لها موارد، لكن جهاد الجزائر مقدس، وإعانة هذا الجهاد دينا وعروبة وسياسة أمرٌ واجب ومحتّم، فنحن لا نملك إلا لقمة العيش، وأعلن هنا أمامكم جميعا أننا نقتسمها معكم، مهما كانت” إن هذه الشهادة والتي قدمها جلالته للتاريخ بحق الثورة الجزائرية وفي أحنك الظروف وأقسى المراحل التي كان يمر بها الأردن، توضح حقيقة ونزاهة وعدالة الثورة الجزائرية وأن الوقوف معها واجب مقدس تفرضه علينا عروبتنا وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، فلا نخذل الجزائر، وإن كان هناك من القادة العرب ممن يدعون أنهم تبنوا الثورة الجزائرية يعملون ليل نهار من أجل انهيار الأردن و حكمه في تلك الحقبة التاريخية، ولأننا تعلمنا في مدرستنا الأـردنية أن نكون مع الحق دوما لايرهبنا سلاح ولا يشترينا المال. نقول لا تقربوا الجزائر فالجزائر لم تستورد من يكتب لها نشيدها الوطني، بل كُتب في ظلمات السجون. ومحاولة تسويق انسانية ديغول في سوق العالمي الجديد محاولة فاشلة فمن شارك في ضرب مصر في العدوان الثلاثي عام 1956 لا يمكن أن يقدم باقة ورد لنفس الدولة باليد الاخرى. ولكي لا ننسى ما صنعته فرنسا في الجزائر، ولمن لا يعرف ديغول وسياسته في الجزائر نستعرض بعض منها على سبيل التذكير ، برنامج شال والهادف للقضاء على الثورة الجزائرية باستخدام مختلف أنواع الأسلحة، وقد جند كل طاقات فرنسا لتحقيق هدفه حتى أن مجموع القوات المستخدمة في الجزائر بلغ 880 ألف جندي أنفق عليها ما يزيد عن 4 مليار فرنك.
ولكن تلك العمليات أخفقت في تحقيق النصر، عندها تم استخدام النابالم وهي قنابل محرمة دوليا
ولاحق السكان المدنيين يقول السيد ابن طامة : “لقد تعرض الشعب في هذه الفترة إلى عذاب أليم ، عذاب قتل واعتقالات ، حشود بالآلاف، حتى الحيوان لم يسلم ، حيث اتبع المستعمر سياسة الأرض المحروقة” لقد شهد احد الاساقفة الفرنسيين على بشاعة بني جلدته فيقول:”رأيت أطفالهم تتميز عظامهم تحت البشرة بوضوح ، إنهم أطفال أنهكتهم الحمى والبرد لقد رأيتهم يرتجفون وهم راقدون على الأرض بدون غطاء “. وعن انتشار مرض السل قال : “في كل المستشفيات يلاحظ الأطباء والممرضون أن السل الذي كان قد بدأ يقل منذ عشرات السنوات عاد ينتشر بشكل مفزع بسبب قلة التغذية الخاصة بين الأطفال”
لقد بلغت همجية وعنف المستعمر الفرنسي وبقيادة ديغول أوجها ويثبت ذلك ما ذهب اليه تقرير وزارة الأخبار في مارس 1960 الذي رفعته للحكومة حيث يقول: “أن ثلاثة ملايين من أبناء الريف الجزائري قد تلاشوا منذ 1954م فمن كل ريفين إثنين نجد واحد فقط لا يزال في أرضه أما الثاني فإما أنه لقي حذفه أو هو لاجئ في معسكر التجمع”
فهذا التاريخ المخطوط بالدم والعرق من قبل أبناء الجزائر لا يمكن أن تلغيه بجرت قلم أو تصريح عبر وسائل إعلامية لاهم لها إلا التشكيك بكل ما هو جميل ومميز في تاريخ أمتنا. فأرجوكم لا تقربوا الجزائر واتركوا لنا شياء مميز من التاريخ لا يمتد أو يتطاول عليه المال والمزاج السياسي.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى