لا تبكوا من أجل أهل غزة

لا تبكوا من أجل أهل #غزة
د. أيوب أبودية

علّمتنا غزة، في أصعب اللحظات وأقساها، أن إرادة الإنسان إذا اقترنت بالإيمان الصادق وحب #الوطن، تصبح قوة لا تقهر، وأن الدفاع عن العِرض والأرض أسمى من كنوز الدنيا كلها، وأقوى من أسلحة أمريكا وألمانيا وبريطانيا مجتمعة.

منذ الشهور الأولى للعدوان، حاولت القوى العظمى أن تحسم #المعركة بأحدث طائراتها وصواريخها ودباباتها ومسيراتها، مدعومة بتكنولوجيا التجسس والاستخبارات المتقدمة، لكنها فوجئت بأن هذه #الترسانة تصطدم بجدار من الإصرار والصمود، جدار بناه شعب شبه أعزل إلا من إيمانه وقضيته وإرثه العظيم.

في أزقة غزة المدمَّرة، وبين ركام البيوت، يخرج الأطفال بضحكاتهم ودعاباتهم وحيواناتهم الاليفة رغم الجراح، وتقوم النساء بتنظيم الحياة من جديد، ويهم الرجال بحفر الأنفاق وتجهيز المؤن، وكأنهم يقولون للعالم: “لن نموت واقفين بل سنحيا واقفين أيضا”.

لقد شاهد العالم كيف فشلت أحدث القنابل الذكية في إخماد روح مقاوم يتنقّل بين البيوت المهدمة، وكيف لم تستطع مئات آلاف الأطنان من المتفجرات أن تهزم امرأة ودّعت أبناءها بالشهادة وهي ترفع رأسها لله. هذه الصور ليست مجرد مشاهد إنسانية، بل دروس عملية في أن السلاح الأشد مضاءً هو الإرادة التي تنشد الحرية، وأن من يملك الإيمان بقضيته لا يحتاج إلا القليل من العتاد ليصنع المعجزات.

ولعل التاريخ يعيد نفسه؛ ففي الجزائر، هزمت ثورة شعبية إمبراطورية فرنسا رغم جيشها الذي كان يُعد من الأقوى في العالم، وفي فيتنام انهزم التحالف الأمريكي – الذي كان يمتلك الطائرات الحربية والأسلحة الكيميائية – أمام مقاتلين بسطاء يملكون العزيمة وحب الأرض ويحاربون من أنفاقها. حتى في معركة الكرامة عام 1968، وقف مقاتلون أردنيون وفلسطينيون أمام جيش الاحتلال المدعوم بتفوق جوي هائل، فحققوا نصرًا قلب الموازين.

وغزة اليوم تضيف فصلًا جديدًا في هذا السجل المضيء، لتقول للعالم إن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن العزيمة الصادقة قادرة على هزيمة أعتى التحالفات العسكرية، وأن الجيل الأحدث أكثر شراسة وبطولة من الذي سبقه، ولدينا الأمثلة من الضيف والسنوار وغيرهما.

إن واجبنا اليوم، نحن العرب والمسلمين وأحرار العالم جميعا، أن لا نركع ولا نلين، وأن نستمد من صمود غزة ما يشعل العزيمة فينا، فالنصر لا يولد من رحم القوة المادية وحدها، بل من رحم الإيمان بالحق، والتمسك بالأرض، والدفاع عن الكرامة حتى النفس الأخير.

غزة تقول لنا: لا تخافوا من تهديدهم، لا تخذلوا، لا تساوموا، فلدينا ما هو أغلى من الحياة نفسها. وكما ثبتنا نحن تحت القصف والحصار والجوع، اثبتوا أنتم على مواقفكم في وجه التضليل والخداع، وأنتم أمة العرب العظيمة أصحاب الأمجاد والعلوم والحضارة والتسامح، وأحفاد خالد بن الوليد والقعقاع وصلاح الدين.

لم يستطيعوا السيطرة على غزة الصغيرة في مواجهة مئات من مقاتلينا الأشاوس، فلن يستطيعوا مجابهة مئات الملايين أبدا، إن تصريحهم باحتلال بلاد الشام إنما هو مكابرة المهزوم بينما يلفظ أنفاسه الأخيرة. إن عجزهم عن إخضاع غزة الصغيرة، بما فيها من مقاومين صامدين لا يتجاوز عددهم المئات، إنما يكشف بجلاء حدود قوتهم ويبرهن أن جبروتهم المزعوم مجرد وهمٍ إعلامي أكثر منه حقيقة ميدانية. فكيف بهم إنْ واجهوا أمةً بأكملها، تمتد بمئات الملايين على أرض شاسعة شهدت معارك هائلة مع أعتى إمبراطوريات التاريخ الرومانية والبيزنطية والفارسية والتترية وغيرها؟

إن تصريحات الكيان الصهيوني عن القدرة على ابتلاع بلاد الشام أو إعادة تشكيل خريطة المنطقة ليست سوى أوهام المهزوم، الذي يحاول أن يغطي انكساره بجعجعات عالية النبرة. إنها آخر صرخات كيان يترنح، ويدرك تماما أن مشروعه الاستعماري يسير نحو الأفول، وأن إرادة الشعوب، مهما طال الزمن، تكون صاحبة الكلمة الأخيرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى