#لأولي_الألباب
د. #هاشم_غرايبه
دأبت الأنظمة العربية على تجميل علاقتها المشينة مع أمريكا فتسميها تحالفاً، رغم أنها في حقيقتها لا تعدو كونها تبعية مطلقة، متمثلة برهن القرارات السياسية للدولة العربية وفق مصالح ومتطلبات أمريكا.
بالطبع فذلك (التحالف) ليس مؤسسيا، بل بنوده معروفة فقط لرأس النظام وقلة موثوقة من مستشاريه، تدعى الدولة الخفية، لذلك تغيب المؤسساتية وفصل السلطات عن النظام العربي، ففي حين تتصرف كافة المؤسسات الرسمية وكأنها تملك القرار، لكن حدود مسؤوليتها لا تتعدى تسيير الأعمال الروتينية للدولة، أما القرارات الاستراتيجية المفصلية، سواء السياسية أوالاقتصادية أوالأمنية أوالعسكرية، فهي جميعها بيد الدولة الخفية.
من هنا كانت المفارقة المحزنة في مؤتمر القمة بالأمس: رأينا المتحدثين جميعا يستخدمون صيغة: نطالب، وكأنهم جماهير في مسيرة تضامنية، وليسوا قادة أصحاب قرار، يفترض أن تكون الصيغة لحديثهم: نقرر.
لقد ثبت للشعوب طوال القرن المنصرم، أن سبب انكسار الأمة، هو استلاب الغرب لقادتها حق استخدام (نقرر)، والاقتصار على التوسل واستجداء التعاطف الدولي… من هنا أحيت المقاومة الإسلامية الأمل.
الآن آن للجماهير ان تخرج من التضليل الذي مارسه العلمانيون على الأمة بهدف تحويلها عن اتباع عقيدتها الاسلامية الى العلمانية، فأوهمونا بأن حضارة الغرب انسانية وتحافظ على حقوق الإنسان، وتلتزم بمعايير العدالة والمساواة.
فبعد معركة الطوفان انكشف زيف ادعاءاتهم بعد أن وجدنا الغرب بأجمعه لم يذرف دمعة واحدة لمشاهد أشلاء الأطفال الأبرياء، بعد أن كان يتباكى لمشهد حوت نافق او قطة علقت على شجرة، إذاً فإنسانيتهم كاذبة، ورحمتهم ليست حقيقية، بل موجهة وفق مصالحهم.
السؤال المهم: إن كان الغرب بأجمعه يدعي أنه يتبع المسيح عليه السلام، فأين هم من تعاليمه؟.
الحقيقة إن قلة منهم هم كذلك، إذ نجح قادة الرأسمالية عندهم بتحريف المسيحية مرة أخرى، بعد أن حرفها اليهود الأوائل وعلى رأسهم بولس، من التوحيد (عبادة الله) الى الشرك (التثليث)، وهنا التقطها قسطنطين في القرن الرابع ليجعل التثليث وليس العقيدة النصرانية الأصيلة ديانة للأوروبيين، فانتشرت بسهولة كونهم مشركين أصلا، لقوله تعالى: “ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا” [غافر:12]
التحريف الجديد بدأ في القرن السابع عشر بظهور ما سمي المسيحية الصهيونية في بريطانيا، بهدف تحشيد الأوروبيين امبرياليا وامتدادا للحروب الصليبية، ثم عززت في بدايات القرن العشرين، بتبني الحركة الصهيونية خدمة للسياسات الاستعمارية البريطانية، فكانت استثمارا من “هرتزل” العلماني للأساطير التلمودية لتشجيع الهجرة الى فلسطين.
وتتلخص فكرة هذه الحركة في الإيمان بنبوءة مزورة تقول بنزول المسيح اليهودي ليحارب الوثنيين (تسميتهم للمسلمين)، ويقيم مملكة لليهود تحكم كل الأرض، ويشترط لنزوله إعادة بناء الهيكل اليهودي في الموقع الذي يقوم عليه المسجد الأقصى اليوم، وفي نظرهم يتم ذلك عن طريق تحقيق هيمنة إسرائيلية كاملة على كل فلسطين (يهودية الدولة).
من هنا نفهم أن جعل القدس عاصمة لإسرائيل جاء استجابة لمتطلب عقيدتهم، وان قصة حل الدولتين التي يؤملنا بها المطبعون ما هي الا لكسب الوقت فقط.
لا شك أن هنالك تناقضاً بين مباديء العلمانية التي تبدو أنها منهج مقدس في الغرب، وبين المباديء المتضاربة للمسيحية الصهيونية، فكيف يقتنع المسيحي بأن المسيح سينزل لنصرة من صلبوه (بمعتقدهم)؟.
الحقيقة أنه لا مبادئ علمانية ولا دينية ولا حقوق إنسان ولا المثل الليبرالية تصمد أمام جشع الرأسمالية المتغولة، خاصة إن ساندها التعصب الديني الأوروبي ضد المسلمين.
مع كل ذلك، فلا يمكن أن تتحق كل هذه المطامع المستندة الى الخرافات التي نسجتها آمال من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، فقد رفع الله المسيح من بينهم لظلمهم وتآمرهم على قتله، فلا يمكن أن يعيده إليهم لإنقاذهم مما كتبه عليهم.
مصيبتنا الآن في من هم يدّعون أنهم حماة الإسلام، لكنهم وظفوا أنفسهم في خدمة هذا المشروع، بدخولهم في تحالف مع الكيان اللقيط، من أجل حمايته إلى أن يبني الهيكل المزعوم، وما صمتهم على إعلان القدس يهودية، إلا دليل على سوء نواياهم، ولا ينكشف المنافقون إلا عند الشدائد.
لينغمسوا ما شاءوا في المؤامرة، فتلك إرادة الله أن يخزيهم في الدنيا قبل خزي الآخرة، وسَيَرَوْا أن سعيهم سيَبُور، لأن وعد الله حق، وسيَنصرِ المجاهدين الصادقين بإذنه.