لأولي الألباب

لأولي الألباب
د. هاشم غرايبه
من تناقضات أفكار غير #المؤمنين، قولهم في #التعزية بميت: لترقد روحه بسلام!، فيقولونها لتجنب القول: يرحمه الله، كونهم ينكرون وجود الله والحياة الأخرى.
مأزقهم هذا يوقعهم في مطب أعمق، فهم بذلك يعترفون بوجود روح لم تمت، فلا تفنى بفناء الجسد…ألا يعني ذلك #حياة أخرى للمرء مختلفة؟.
فما هي #الروح التي يتمنون لها الرقود بسلام؟
بداية لا يوجد عاقل سواء كان عالما متبحرا أم محدود الثقافة، يمكنه أن يقتنع بالتفسير الساذج الذي يقدمه الملحدون، والقائل بان الطاقة المتولدة من التفاعلات الحيوية هي التي تعطي خلايا الكائنات الحية الحياة فتتغذى وتنمو وتتحرك وتتكاثر، وعند انقطاع هذه الطاقة تموت.
فلم يكتشف العلم وجود طاقة في الأجسام الحية غير الطاقة الحرارية عن طريق الدم، ووظيفته توفير درجة حرارة ثابتة بدرجة 37 م. ، والتي هي شرط لأداء العمليات التي تُمكّن الاعضاء من أداء وظائفها، أي هي عامل مساعد وليست هي الحيوية بحد ذاتها، بدليل أن كائنا مات للتو، مهما وفرت له من ظروف دافئة وتغذية، لا يمكن أن يعود للحياة.
لذلك فالروح ليست طاقة كما يعتقدون، وقد ثبت لهم خطأ هذه الفكرة، بعد تجارب أجروها في المسارع الهادروني الأضخم (مصادم سيرن)، الذي أنشأوا له نفقا عملاقا بين فرنسا وسويسرا وكلفهم عشرة مليارات، وكانوا يأملون بإحداث الحياة في مادة كيميائية مماثلة للمادة التي تتكون منها الخلية، بحيث تتولد الحياة فيه نتيجة توفير مجال طاقة هائل لذلك المركب، وكانت المفاجأة الصادمة أن المنتج كان مادة قذرة كريهة الرائحة!!، لذلك تراجعوا فأنكروا أن هدفهم كان اثبات أن نشوء الحياة تم صدفة، بل لإثبات وجود بعض الجسيمات من مكونات الذرة مثل “بوزون هيجز”!.
ورد ذكر الروح على أنها السر الأعظم الذي لا يمكن للبشر معرفته في قوله تعالى: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” [الإسراء:85]، فالآية الكريمة قطعت بأنه لا سبيل الى معرفة البشر لمعنى الروح وكنهها، وهي ليست من ذلك الكم القليل من العلم الذي آتاه الله تعالى للبشر، ولا بد أن المحدد في ذلك أن أمر الروح ليس من شأنهم ولا يفيدهم معرفتها، لأنها فوق قدراتهم وإمكانياتهم العقلية.
إذاً لا يمكننا فهم طبيعتها، إن كانت مادة أم طاقة أم برمجة بشيفرة خاصة من طبيعة غير كل ذلك، لا نعرفها لكننا نفهم أنها دائما متعلقة بسر الحياة، فقد وردت في كتاب الله في حالتي خلق آدم وعيسى عليهما السلام، وذلك لأن خلقهما كان على غير المعتاد من خلق كل البشر الآخرين، الذين ينشأون من تزاوج ذكر بأنثى، ورد ذلك في قوله تعالى: ” وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ” [النساء:171]، وفي قوله تعالى: “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ” [الحجر:29]، وفي الحالتين كان بث الروح تاليا للخلق.
هنالك مفهومان غامضان أيضا في المعرفة البشرية، ومرتبطان بالروح، وهما النوم والنفس.
فالنوم حالة تشبه الموت المؤقت، فيها يفقد الإنسان التحكم في عقله وجسده، فيتحرر العقل من الإرادة وينطلق في الحلم بتصورات حرة، فيحس فيها المرء كأن الروح هائمة كما تشاء.
وأما النفس فيمكننا القول أنها الجوهر أو الذات، بدليل أنها متباينة بين الناس، وهي ثلاثة: النفس المطمئنة، والنفس اللوامة، والنفس الأمارة بالسوء.
لكن يختلط مفهومها مع مفهوم الروح، لذا اعتقد البعض أنهما واحد، لكن ابن عباس يؤكد اختلافهما فيقول ان الروح هي التي تعطي الحياة، والنفس هي المعنية بالعقل والادراك والتصرف.
هنالك لا شك علاقة بين الموت والنوم بدليل قوله تعالى: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى” [الزمر:42]
لذا فهنالك جوهران للنفس، المجسد التي تنام وتموت ثم تبعث هي الجسد، أما سر الحياة والذي لا يموت ولا يفنى، فهي الروح، فعندما يتوفى الله الأنفس، تعود الى بارئها، الى حين البعث، فعندما يحيي الله الأجساد من جديد، يعيد الله الأرواح الى الأجساد التي سكنتها في الحياة الدنيوية، لقترن بالنفوس التي بعثت بدليل قوله تعالى: “وإذا النفوس زوجت” [التكوير:7].
والله أعلم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى