كِيتو الوطَن
جودت سرسك
يُمارِسُ #في بلاد_الغربة كلُّ #مغترب عاداتِ أهلهِ وبيئتهِ التي تنشّأ عليها، فالبعض يُدمنُ نشرات الأخبار المحليّة وفتياتِ النشرات الجويّة، وآخر يحملُ معه مُعلّبات سمك التونة وحبوب العدس والفول وأقراص الجميد السورية وقراص العيد الشمالي وتنكة الجبنةِ ومُجمّدات البازلاء والفاصولياء ظنّاً منه أنّ الغربةَ مكان توفيرٍ وتدبير.
يُمارسُ صديقي الشلول كلّ الهِوايات الوطنية؛ من لُعب الشّدة ونفخ الأرجيلةِ بجميع نكهاتها وارتداء الشبّاح وإطلالةُ رأسهِ من طرف النافذةِ لِيُراقبَ أفراد الحيّ وجُلّهم من المدرّسين المتقاعدين أو الآيسين.
يقف الشلول على منصّة المَجْلَى لِيُنظّف أواني الكبسة التي لا تحتاج لجهدٍ ولا مال عند إعدادها خاصة أنّها طُبخَت مع قِطَع الأجنحة المتجمدة ورِقاب الدجاج.
في نهاية كلّ شهر يجتمع #المغتربون لِلْقَطّة أو دفع المستحقّات، فيرفض الشلول الجارُ ذو البشرة الحمراء دفع ما عليه متذرّعاً بأنه يقوم بِجليِ الاواني مقابل أكله وشربه، ويستطردُ أنه يستحقّ أكثر ممّا يجب عليه دفعه، ولمّا تمّ القضاءُ بين المغتربين ألزموه بضرورةِ أن يدفع ما عليه وتوزيع مهمة جلي الأواني بالتساوي بينهم، غَضِبَ الصديق الوطنيُّ لِيُفاجأ الجميعُ صباحاً بقيامه وضع علامةِ إكس على باب كلّ واحد منهم حيث شطبهم من حياته.
وأثناءَ جلسةِ المغتربين في بيت كبيرهم الذي كان يُتّهم أنه تابعٌ لجهاتٍ أمنية افتراءً عليه لأنه يُنسبُ لقبيلةٍ في الجزء الجنوبيّ للوطن، ولا أُنكِركم أنه أحبَّ هذا الدور، حيث كان يستمتعُ بلبس الشماغ الأحمر المُهدّب في كل يوم جمعة ويعكف أنفه عند المرور على المغتربين الجُدُد ويرمي عليهم كلمة “قوّ الغانمين” لدرجة أنّ حديثي السّن منهم كان لا يعرفُ كيف يردُّ عليه.
وأثناء جلوسنا عند مُختار المغتربين الذي بكلّ أمانةٍ لم يكن يُقدّم لضيوفهِ غير المنسف بالجميد الكركي ولم يُعرَف عنه أنه حَوَى علبةَ تونةٍ واحدة أو علبة حمّص مُعلّبة، كان التلفزيون الخليجي يعرضُ قضيةَ فسادٍ المناهل في مدينةِ جدّة، حيث اكتشفت لجنة التقصّي أنّ المقاول كان يضعُ غطاءَ المُنهُلِ دون أن يحفرَ تحتهُ وشاء الله أن تغرق مدينة جدّة بالمطر لِيُدرِكَ المواطنون أنّ المناهلَ عِيرَةٌ وزيف.
في وطني يَقبعُ كلّ واحدٍ منّا على منهلٍ عيرة فالحبلُ الذي انقطع في ميناء العقبة مُنهلٌ عِيرَة والذي يُسحّجُ للمكاسبِ لا للوطن يَقبعُ على مُنهلٍ عِيرة والذي يغلق نبع القرآن ولغة البلاغة أمام النشء يقبع على منهل عيرة ومدرّس المدرسة أو الجامعة الذي يكرر نفسه ولا يطور سوى أسلوب شتائمة وجبروته يقبع على منهل عيرة ويعلق بنطلونه العيرة خلف الباب ليمارس الزيف وعيرة الأخلاق، ورئيس الجامعة المعيَّن بمعايير العيرة يقبع على منهل عيرة والعسكري المتقاعد بالجسيم قبل وصوله الأربعين ليحظى لابنه ابن الست وستين في الثانوية العامة بمقعد صدق عند مليك مقتدر في قسم الهندسة والعلوم الطبية وبمخصص شهري تكريما لأبيه الذي يعاني من وجع في عصعوصه أثناء تحرير الأقصى، يقبع هو وابنه على منهل عيرة.
كلّ منا هو الشلول الأحمر يضع إكسا على أبواب وطنه حين لا يقتسم كعكته ولا يتكسب من دمه النازف.
ما أحوجنا لحمية #الكيتو التي يتنزّه متّبعها عن أكل جلوتين #الوطن وخبزه وقمحه لأن خبز الوطن المسروق يا سادة سمّ يغلّف أمعاء المغتصب ولا يرى من وطنه سوى المكاسب والاستنزاف له ويظلّ يرقب خبز راتبه من الضمان الاجتماعيّ بأعلى حدّ وإن جاع غيره وتلوّى.
J_sh_s@hotmail.com