سواليف – يحمل الخوف والقلق ارتباطا وثيقا فيما بينهما، فكلاهما يضم فكرة وجود خطر ما أو احتمال لوقوع الضرر، وأن تشعر بالخوف يعني أنك في خطر. وعموما، يعد الخوف بمثابة رد فعل لخطر معين ويمكن ملاحظتها. في حين يعد القلق من أنواع الخوف غير المحدد، بدرجة أقل، موجها نحو المستقبل. ويرتبط الخوف بالقلق أيضا بظروف غير محددة، على سبيل المثال؛ هناك خوف من الموت، ويتخذ شكلا معينا من قلق مزعج يسبب اضطرابا ويصل لحد يجعل التعامل معها صعبا.
والأشخاص الذين يقلقون يعانون من تحيز في التفسير لحالات عدم اليقين والمخاطر، وتبلغ أقصى مرحلة، فضلا عن أمور أخرى تؤثر في سلوكياتهم وتنعكس على أفكارهم:
– اليقظة المفرطة، فالذين يعانون من هذا النوع من القلق يميلون للانتباه بشكل مفرط وباهتمام مبالغ فيه للتهديدات، وفي الحالات القصوى يمكن أن يصبح أي شيء مصدر تهديد لهم ومحفزا يطلق سلوكهم الدفاعي. على سبيل المثال، تواجد عنكبوت في المحيط قد يطلق نوبة فزع قوية ومرتبط بالأشخاص المصابين باضطراب الهلع غير العادي وينعكس على الجسم بأحاسيس ومشاعر بحدوث هجوم، وهذا التركيز يمنعهم من الاهتمام بأي أمر آخر لعوامل وظروف طبيعية التي من المحتمل أن تحسن استجابتهم في ظل الظروف العادية.
– ضعف القدرة على التمييز بين التهديد والسلامة، فهؤلاء الذين يعانون من التوتر المصحوب بالقلق واضطراباته يواجهون مشكلة من التفريق بين الخطر والأمان، ولتوضيح ذلك؛ فإن الشخص القلق يشعر بالأمان فقط في المناسبات الاجتماعية في ظل حضور صديق، ويعد هذا تحيزا طويلا يكشف فشلا في قشرة الفص الجبهي والمسؤول عن تنظيم الانفعالات العاطفية وتحديدا منطقة “اللوزة”، وقشرة الفص الجبهي مسؤولة عن استشعار وتفسير مدخلات من مصادر مختلفة، والحفاظ على الوظيفة المعرفية هذا الجزء مسؤول في المشاركة في صنع القرار وحل المشكلات والتخطيط، فضلا عن المنطق والحكم والسيطرة على الانفعالات.
– التجنب أو الهرب، لأن مشاعر الخوف والقلق غير سارة، يريد أصحابها القضاء عليها، ويغدو التجنب والهرب سمة مهمة لمن يعاني من اضطرابات القلق للحيلولة دون تعرضهم للخطر. وتغدو أدمغتهم معتادة على التجنب والهرب من أي مصدر يهدد راحتهم ويفقدون القدرة على التمييز بين ما هو صحيح وما هو غير حقيقي، وفرصة ينتهزها دماغهم مع مرور الوقت، ما يفقده القدرة على التمييز بوضوح لكل العوامل الأصلية والحقائق. ومع الوقت يعتقد الشخص بفرضية خاطئة أن لديه القدرة والقرار على تجنب الخطر وأنه أمر واقع ويمكنه التحكم به.
– المبالغة في ردود الفعل، وتحديد حالة عدم التيقن التي تغدو أرضا خصبة للقلق، ومن يعاني من القلق يجدون صعوبة في التغاضي عن ذلك الجانب ويواجهون وقتا عصيبا في تقبل أن التهديد والخطر لن يحدث، وهذا ينعكس على تفكيرهم المستقبلي فيميلون للتردد والتباطؤ في اتخاذ القرارات وإعداد نتائج وسيناريوهات لا تخلو من نتائج محتملة للفشل وأسوأ التوقعات التي ترتبط بقلق مبالغ فيه أيضا، وحساسية عالية تصعب من تقدمهم بأي شيء.
– مبالغة في ردود الفعل لعدم اليقين. عدم اليقين هو أرض خصبة للقلق. الأشخاص الذين يعانون من القلق لديهم صعوبة في التغاضي عن عدم اليقين أو التهديد. عدم اليقين بشأن المستقبل وكيفية الاستعداد لمختلف النتائج المحتملة هو عامل مهم في الخوف والقلق والاضطرابات.
فالتوتر هو حالة يخلقها الفرد لمواجهة عدم اليقين، ويعزز الحاجة لمزيد من التفكير فيما سيحدث واتخاذ قرار مبني على تنبؤات وتوقعات أفضل، ولكن الشخص المتعب والمنهك لا يمر بتلك المرحلة وإنما يقفز مباشرة لدائرة الشعور بالخوف، وينتابه إحساس بعدم اليقين، والتي لا يتمتع بها أحد على الإطلاق بل تولد مزيدا من التوتر والتعب.
وهناك دائما طريقة لمعرفة ما هو الأفضل في القادم القريب، والخوف هو أسوأ طريقة للتعامل مع الحالة، وتجعل الفرد يقع في فخ المبالغة في التحليل والخوف من المخاطر والمبالغة في ردود الفعل وحتى التوقعات. وإن كنت من الأفراد الحريصين جدا وتبالغ في التفكير والتوقع فأنت تحتاج إلى التوقف عن الخوف المبالغ فيه، فالحياة دائما ما يصاحبها عدم اليقين، وحتى تتقبل هذه الحقيقة عليك تخيل الأخطار والتهديدات التي فكرت فيها ولم تتحقق، فكل تلك الأفكار موجودة في المخيلة، والتعامل مع الأزمات أسهل من الانتظار والتوتر.
ففي الوضع الطبيعي، تكون قادرا على التعامل مع مثل هذه الحالات وتتولى أمرها، وتحسم ما تشعر به، فأنت تشعر بأنك واثق وقوي وتتوق للسيطرة والتحكم، ولكن حين ينتابك شعور بعدم اليقين يتعزز الشعور بالضعف والخوف في داخلك وتمر بحالة من اليأس وتتوق لتسوية هذا الصراع الداخلي.
– المبالغة في القدرة على التحمل، فاضطراب القلق يجعل صاحبه أكثر عرضة للأحداث السلبية ومن المتوقع أن تكون العواقب وخيمة، نتيجة هذا التحيز الذي يقوده للإجهاد؛ حيث يدفع نفسه لطرح أسئلة تلقائية مثل “ماذا لو” “لا أستحق”، وكأنه في حالة مستمرة من جلد الذات، فيشعر بالذنب طوال الوقت وجزء منه يحارب الخير والآخر يحارب الشر، وكأنه في حالة انقسام وحرب داخلية.
وفي حالة الصراع الداخلي تنقسم بداخلك إلى قسمين، كل قسم يحاول أن يلقي اللوم على القسم الآخر لإيجاد بديل، ومع تعمق الصراع يبدو كل شيء مسدودا وضيقا، ما يجعل الغالبية تلجأ لجلد الذات أحيانا وفقا لشوبرا، ما يجعلهم يشعرون بعدم الأمان ويطلقون أحكاما مثل “الشعور بالضعف، وكأنك طفل عاجز، أو تسمع صوتا من داخلك يقول: أنت لست ذكيا كما يجب، ولست جيدا بما يكفي”.
والقلق المستمر يعد مؤشرا على ضعف القوة الداخلية، وهي من أكثر أنواع القوى التي لا يمكن مراوغتها وتجاهلها، لما لها من تأثير كبير وانعكاس على الفرد ومن حوله.
ويعد الخوف بمثابة ثلاجة كبيرة توقفنا عن العيش وعن المضي قدما، وتحقيق الأحلام والاستمتاع بنور القوة التي تقودنا لبلوغ أقصى طاقاتنا.
ومن غير المنطقي أن نحيا بخوف ونحن نؤمن بالوجود والقدر، فمهما غلبنا هذا الخوف وسيطر علينا، فإننا قادرون على التغلب والسيطرة عليه، والتغلب على القلق الناجم عن كل هذه المخاوف التي يحكمها إدراك القوة الداخلية.
وقد لا تجري الأمور مع الكل بهذه الطريقة، ولكن النجاح يجلبه أمر واحد، وهو قانون الإنجاح وتطبيقه بطريقة جذابة، وضعها نابليون هيل؛ حيث يقول “إن أردت أن تكون ناجحا، فيجب أن تؤمن أنك تستطيع أن تكون كذلك، وهذه المعادلة بسيطة، ولكن تتيح للكل أن يحقق ما يريده حين يؤمن بقدراته الداخلية”.
الغد