كيف غدونا مفعولاً به؟
هناء الأعرج
ثمة مسافة هائلة دائماً بين الفاعل وبين المفعول به
بين الفعل وتلقيه، مسافة تحدد الفارق بين البيادق وبين البيارق.
لم يكن الأمر كذلك من قبل، لقد شكلنا في لحظة تاريخية ما حالة من الفعل الحقيقي غير الكاذب وفي المشهد الكامل
سياسياً،امتلكنا تجربة سياسية متنوعة تضمنت عملا حزبيا منظما وعملا نقابيا يجمع بين الوطني والمهني وتوجنا في محطتين مهمتين مجلسا نيابيا تشريعيا مراقبا حقيقيا وقدمنا مناضلين صلبين ومفكرين لا يستهان بهم اجتماعياً.
لم يحدث أن شهدت البنى الاجتماعية حالة من الاضطراب كما هي اليوم. لقد كان الوعي الجمعي في ذؤابة منشغلا في القضايا المصيرية والوطنية منسجما مع بعضه دون أي تفرقة أو هوامش وثانويات، ملتصقا بالهم والمستقبل ويحكّ بالعمل شكل المستقبل، وبنينا صرحا تعليما رافدا على مدار عقود وخرج من مدراسنا وجامعاتنا كوكبة من العلماء ساهموا في بناء هذا البلد وبلاد غيرها من حولنا. كما أن مستشفياتنا كانت مقصدا للغرباء قبل الابناء مع شهادات اعتراف واقرار واعتزاز
الأمر ايضا ينسحب على كل المستويات في الثقافة و الفن والإبداع والادب حتى على مستوى الاغنيات كان لنا ردحا من الزمن الذهبي الجميل. لقد امتلكنا ناصية الفعل طويلا
وفيما كنا في الأمس فاعلاً حقيقياً نغدو اليوم وبثبات لنصير مفعولا به تاماً، فما الذي حدث؟
بصراحة المسؤولية جماعية والاسباب تتعدد لكنها متداخلة وتتفاعل مع بعضها بطريقة ديناميكية للغاية،
فالاضطرابات السياسية في الاقليم والحروب الاهلية وموجات النزوح واللجوء وضعف الجسد الاقتصادي
و تسييس خطاب القبيلة والدين في أسس المجتمع وافكاره وسلوكه،وممارسات الحكومات المتعاقبة من اساءة الادارة والتضييق على الحريات الى اطماع المستعمرين.
كلها عوامل موضوعية وذاتية دفعت بنا للخروج من مسرح التاريخ والانزلاق تدريجيا من ساحة الحدث.
وتحولنا بارداتنا الى كائنات مفعولة بها لا تتقدم خطوة
وتهرول نحو الخلف بجدارة وثبات وموهبة.
بعيدا عن التندر بمصطلح عنق الزجاجة التي اشبعتنا الحكومات المتعاقبة تنظيرا به لا يزال هناك افق لتحسين الوضع و العودة الى الفعل..لن نتبرأ من صفة المفعول به ما لم تكن هناك ارادة سياسية لتغيير النهج الممنهج الذي اثقل على الاردني و قوته و وعيه المجتمعي و اسره في مفاهيم هوياتية بعيدة عن المواطنة الجامعة الحقة..الاعلام ليس ببرئ ايضا عندما اصبح صدى لصوت واحد و عمل بقصد او بدون قصد على تسطيح العقول من خلال الكثير من الهراء الذي يتخم مسامعنا و ابصارنا به..يكفينا عبثا بمؤسساتنا السيادية و بتخوين الوطنيين من احرار هذا البلد و اقصائهم عن مراكز صنع القرار. الاردن يستطيع و يستحق منا الافضل.