كيف سرق الكيان على كامل حصة الأردن المائية من نهر الأردن ؟

#سواليف

للصراع #السياسي بين « #إسرائيل» و #العرب اتجاهات ومسارات مختلفة. بيد أن #المياه تقع في صلبه، وهي المنطلق الأساسي لإدارة #الصراع في منطقة حوض #نهر_الأردن. فجذور الأزمة المائية في الأردن تعود إلى بدايات المخططات الصهيونية لتوطين ستة ملايين يهودي في أرض #فلسطين، وفرض الضغوط على موارد المياه فيها، في منطقة تعاني مسبقًا من شح قاسٍ في هذه الموارد. وقد عمّق #تشريد #اللاجئين #الفلسطينيين إلى الأردن بموارده المائية الشحيحة #أزمة_المياه، إلى جانب خطة «إسرائيل» الواضحة لسرقة المياه العربية، وحصص الدول المتشاركة في #حوض_نهر_الأردن على وجه الخصوص.

يصف بعض الساسة الماء بالابن البكر للصراع العربي الإسرائيلي. وبقراءة تاريخ هذا الصراع، يمكن القول بأن البحث عن المياه والاستيلاء على الأرض كانا دومًا مرتبطين ارتباطًا عميقًا. تكمن أهمية الماء في تاريخ الصراع في عنصرين، الأول مادي؛ إذ يقع نهر الأردن في منطقة جافة بموارد مائية مستنفدة بشكل خطير. وبما أن حيوات الناس تعتمد على قدرة الدول على توفير الأمن والحماية لأمنها الغذائي واستقلاليتها ومصادر طاقتها، فإن السيطرة على نهر الأردن وغيره من مصادر المياه يعتبر بالتالي أمرًا حيويًا وحاسمًا. أما العنصر الثاني، التاريخي والأيديولوجي المتمثل بالأرض وزراعتها، فقد كان دومًا العمود الأول والأهم في العقيدة الصهيونية.[1]

احتل الموقف من أمن «إسرائيل» المائي موقعًا رئيسًا في التفكير الاستراتيجي الممهد للفكر الصهيوني، الذي اعتمد على ادّعاءات دينية وتاريخية زائفة، نبعت من الإيمان بما جاء ذكره في التوراة: «كُلُّ مَكَانٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ يَكُونُ لَكُمْ». كما اعتمد على أقوال المؤسسين الأوائل من أمثال بن غوريون: «سينخرط اليهود في حرب على الماء مع العرب وسوف تحدد نتائج هذه الحرب مصير «إسرائيل»». أي أنه ما لم تربح «إسرائيل» هذه الحرب، فلن تبقى في فلسطين. بكلمات أخرى، فإن المياه بالنسبة لها مسألة وجودية.[2]

لم تكتفِ «إسرائيل» بالاستيلاء على المياه المتشاركة مع الدول العربية فحسب، بل وسّعت تطلعاتها نحو مياه نهر الليطاني في لبنان، ومياه نهر النيل ونهر الفرات. ويبدو هذا جليًا من خلال التنسيق وبناء العلاقات مع تركيا في الشمال، وإثيوبيا في الجنوب، سعيًا للتضييق مائيًا على الدول العربية. وفي ذات السياق، انطلقت كافة المشاريع الإسرائيلية من مشاريع معمارية وما شابهها لمشاركة دول المنطقة بالموارد المائية. في كتابه «المياه والسلام: وجهة نظر إسرائيلية»، يقترح إليشع كالي، الذي كان مدير التخطيط الاقتصادي للمياه الإقليمية الإسرائيلية، مجموعة من الحلول المبنية على التشارك في المياه الواقعة خارج «الحدود الإسرائيلية». إلا أنه يضيف أن هذه الحلول قد لا تجني أكلها ما لم تجرِ ضمن إطار إقامة السلام ما بين الدول العربية و«إسرائيل».[3]

تعالج الدراسة قضية الهيمنة الإسرائيلية على المياه العربية ضمن محورين. يتمثل المحور الأول في الآليات والجهود الإسرائيلية الجارية للسيطرة على المياه الأردنية. أما المحور الثاني فيتمثل في تداعيات السيطرة الإسرائيلية على الأمن المائي الأردني.

السعي الإسرائيلي للسيطرة على المياه العربية

كما سبق ذكره، تحتل المياه مكانًا أوليًا في الفكر الاستراتيجي الصهيوني، وغالبًا ما تحركه. فكلما شحت المياه في المنطقة العربية، توسع البحث لإيجاد مدخل إليها. لقد أدركت الحركة الصهيونية أهمية المياه منذ البداية. لذلك، كانت كافة المخططات التي أعدتها تؤهلها للاستيلاء على موارد المياه في فلسطين والبلدان العربية المجاورة. 

ويمكن القول إن هذه المساعي أخذت ثلاثة أشكال: المقاربات السياسية، ومشاريع تحويل المياه تحديدًا من نهر الأردن، وعرقلة المشاريع المائية العربية المشتركة.

المقاربات السياسية

تعود بدايات مطامح الحركة الصهيونية في المياه العربية، وحوض نهر الأردن على وجه التحديد، إلى عام 1876. حين أرسلت الجمعية الملكية البريطانية بالتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية وفدًا من الخبراء والمهندسين إلى فلسطين، للبحث عن الموارد الطبيعية الفلسطينية، وأعلنوا أن فلسطين لديها القدرة على توطين ملايين البشر، ويمكن لصحراء النقب أن تستوعب عددًا كبيرًا من اليهود إذا ما حولت المياه من الشمال حيث تتوفر بغزارة.[4]

حاولت الحركة الصهيونية أن تضع حدود دولتها بناء على الوقائع المائية، وطالبت منذ البداية بضم هضبة الجولان وجبل سيناء ونهر الليطاني ومرتفعات الأردن. وكان هدفها السيطرة التامة على موارد المياه وجلب أكبر عدد ممكن من اليهود إلى فلسطين. كما كانت تسعى إلى ممارسة الضغوط على البلدان العربية وابتزازها.

بدا هذا جليًا في الاتفاقيات المبرمة بين الحركة الصهيونية والحكومة البريطانية واللجنة الاستشارية لترسيم حدود فلسطين. فقد سعت الحركة لإقناعهم بضم هذه المناطق داخل فلسطين التاريخية، فضلًا عن أنها تمكنت من إقناع اللجنة في السادس من تشرين الثاني 1918 بتحديد هذه الحدود. بيد أن الجانب الفرنسي قد عارض الاتفاقية لكونه كان يتحكم بسوريا ولبنان. ولذلك، جاءت الحدود بحسب معاهدة سايكس-بيكو كالتالي: سوريا ولبنان من الشمال، من الشرق الصحراء الشرقية، ومن الجنوب شبه جزيرة سيناء، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط.[5]

وأثناء مؤتمر باريس للسلام عام 1919، طلب حاييم وايزمان من وزراء خارجية بريطانيا وإيطاليا، ألا يحرموا الشعب اليهودي من عناصر حياتهم الاقتصادية، وأكد أنه لن يكون هناك إمكانية لترتيب اتفاقية تقرر فيها قضية المياه. وقد أرسل القادة الصهاينة رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد جورج في 20 كانون الأول 1919، في لحظة حاسمة من المفاوضات النهائية حول مصير فلسطين، جاء فيها:

ترغب المنظمة الصهيونية بمخاطبتكم حول قضية الحدود الشمالية لفلسطين. لقد أرست الحركة الصهيونية منذ المستهل الحد الأدنى للمتطلبات الأساسية لخلق وطن يهودي. ومن نافل القول إن الصهيونية لن تقبل على الإطلاق خطة سايكس-بيكو كأساس للمفاوضات، لكونها تضع منابع تزويد مياه نهري الأردن والليطاني خارج حدودها، مجردةً اليهود من أفضل حقول المستوطنات في الجليل ومرتفعات الجولان.[6]

لقد أخرجت الاتفاقية الفرنسية البريطانية المبرمة حول حدود الانتداب عام 1920 مياه جبل حرمون والليطاني والجزء السفلي من نهر اليرموك خارج الحدود المطالب بها من قبل الحركة الصهيونية. بيد أن الأخيرة أفلحت في تعديل الحدود الشمالية وتمكنت من ضم أجزاء واسعة غنية بالمياه بالقرب من نهر الليطاني. حيث سعت إلى إرساء حق اليهود بالحصول على مياه المنطقة من خلال الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وافق عليها المجتمع الدولي لاحقًا، واعترف بها كأساس لأي اتفاق في الصراع العربي الإسرائيلي، واعتمدتها «إسرائيل» في المفاوضات مع الفلسطينيين وباقي الدول العربية.[7]

صورة لنهر الأردن قرابة عام 1941. من الأرشيف الوطني الأمريكي للحرب العالمية الثانية.

خلال فترة الانتداب البريطاني، سعى اليهود إلى الحصول على أذونات بالمياه لصالح المشاريع التي كانوا يخططون لتنفيذها مستقبليًا، وعرقلة أي استثمار لأي من الأطراف العربية، في الأردن وفلسطين، للاستفادة من موارد المياه المتعلقة بهذه المشاريع. حصلت شركة روتنبرغ اليهودية عام 1929 على إذن من سلطات الانتداب بالاستثمار في النهرين الداخليين المهمين في فلسطين، أي نهر العوجا ومشروع اليركون شمال يافا، ونهر المقطع ومشروع كيشون شمال حيفا. وقد حصلت على إذن بالاستثمار في مياه نهري الأردن واليرموك في نقطة التقائهما من أجل توليد الكهرباء لمدة 70 عامًا. وقد نوى اليهود خلال فترة الانتداب الاستثمار في النهرين للحصول على مياه للشرب، غير أنه وبعد إقامة دولة «إسرائيل»، استخدمت مياه النهرين في الري.[8] وفي نهاية فترة الانتداب البريطاني لم يُستثمر سوى 350 مليون متر مكعب من المياه الفلسطينية: 260 مليونًا في الزراعة و75 مليونًا للاستخدام المحلي و15 مليونًا في الصناعة.[9] 

حاولت الحركة الصهيونية أن تضع حدود دولتها بناء على الوقائع المائية، وطالبت منذ البداية بضم هضبة الجولان وجبل سيناء ونهر الليطاني ومرتفعات الأردن. 

عوّل الأردن الرسمي على مفاوضات السلام التي جرت بينه وبين «إسرائيل»، لاستعادة حقوقه في المياه التي استولت عليها الأخيرة. حينها قال الملك الراحل الحسين بن طلال «سوف يستعيد الأردن خلال هذا المؤتمر حقوقه كاملة في نهري الأردن واليرموك».[10] وقد أكد منذر حدادين، رئيس الوفد الأردني المفاوض، على ذلك عندما صرح بأن: «للمياه دور يشابه طبيعتها. إنها المادة التي يستخدمها الإنسان لإطفاء الحرائق، لا لإشعالها. ودور المياه في السلام تحرير ما أخذته «إسرائيل» من الأردن وسوريا ولبنان من مياه نهري الأردن واليرموك. فضلًا عن تحرير الحقوق الطبيعية للفلسطينيين لاستغلال موارد المياه في بلدهم دون سيطرة، ولكن بحسب ما تمليه الحاجة للحفاظ على هذه الموارد».[11]

إلا أن «إسرائيل» قد تمكنت من إقناع العرب بأنها تعاني أيضًا من مشاكل في المياه كباقي المنطقة، وأن حل هذه المشاكل يكمن في تطوير موارد المياه باستخدام الوسائل العلمية الحديثة. كان ذلك أحد التكتيكات التي وظفتها «إسرائيل» في محاولة لمبادلة المياه العربية بالتقنية الإسرائيلية، وقد تبنت الإدارة الأمريكية وجهة النظر هذه في تحليلها لأز مة المياه وأبعادها المستقبلية.

لم يقصد من هذه القضية مساعدة المنطقة بالأساس، وإنما حماية مصالح الولايات المتحدة و«إسرائيل» الحيوية فيها. وبالتالي، شجع الاهتمام بالتقنيات المائية المتطورة الحكومات في الشرق الأوسط على إنتاج وسائل جديدة وأكثر فاعلية لإدارة موارد المياه، إلى جانب استراتيجيات تخزين المياه. فلو استعاد الأردن كافة حقوقه المائية، لتمكن من تغطية جزء كبير من مشكلة المياه الحرجة لديه. إلا أن المسألة بدت وكأنها ناجمة عن عدم استخدام التقنيات الحديثة، وبدأ السعي بالتالي خلف مشاريع مشتركة بين الطرفين. كذلك، جعلت الولايات المتحدة، التي تشرف على قضية المياه كإحدى الدول المانحة، التفريق بين الحقوق المائية والتخطيط أمرًا جوهريًا. وقد تمكنت من إقناع الأطراف في البحث عن حلول تسهم في حل المشكلة. كما نجحت الإدارة الأمريكية بإقناع الأطراف على الموافقة على المواضيع الأربعة التالية: تعزيز المعلومات حول المياه، وإدارة المياه، وتحسين طرق إمداد المياه، والبحث عن أفكار لتحسين التعاون وإدارة المياه.[12]

تمكنت «إسرائيل» ببراعة من إخراج روافد نهر الأردن الشمالية وبحيرة طبريا من عملية المفاوضات مع الجانب الأردني، وهو مالك حق أصيل فيها، والتي تشكل بدورها أكثر من نصف تدفق مياه النهر. ولم تتضمن اتفاقية السلام الأردنية-الإسرائيلية في القسم المائي من البند 6 والملحق 10 أي بند يتعلق بمياه شمال نهر الأردن، بما في ذلك بحيرة طبريا. وقد حولت «إسرائيل» لاحقًا مياه الروافد الشمالية إلى صحراء النقب عبر مشروع ناقل المياه الوطني، بينما خزنت الباقي في بحيرة طبريا. وقد تمكنت عبر المفاوضات السياسية مع الجانب الأردني من الاحتفاظ بمنطقتي الباقورة والغمر في وادي عربة لمدة 25 عامًا، وهي مناطق غنية بالمياه، كانت «إسرائيل» تستنزفها منذ احتلالها.

حاولت «إسرائيل» مرارًا وتكرارًا التنصل من الاتفاقية وعدم الالتزام بها. كما ادّعت بأنها غير قادرة على تنفيذ الاتفاقية وتحويل الكميات المتفق عليها من المياه إلى الأردن سنويًا. فضلًا عن أنها أعلمت الأردن ما بين عامي 1997 و1998 بنيتها تخفيض الكمية من 50 مليون إلى 25 مليون متر مكعب، مبررة هذا التخفيض بنقص هطول الأمطار وانخفاض منسوب بحيرة طبريا. لم يوافق الأردن بدوره، وأصر على التزام «إسرائيل» بضخ الكميات المتفق عليها. ودخل الطرفان عملية تفاوض حول هذه المسألة، حيث استخدمت «إسرائيل» سياستها المعتادة في المماطلة والتسويف، لتطالب عام 1999 بتخفيض يصل إلى 33 مليون متر مكعب بتقديم الذرائع ذاتها.[13]

تحويل مجرى نهر الأردن

رغم أن مساعي الحركة الصهيونية للاستيلاء على المياه العربية قديمة جدًا، كما سبق ذكره. إلا أن البداية الحقيقية للصراع المتفجر حول المياه كانت عند تنفيذ مشروع تحويل مياه نهر الأردن للنقب، عبر ما أسمته «إسرائيل» مشروع الناقل الوطني للمياه، الذي أسست له خطة السنوات السبع (1953 إلى 1960).

الناقل الوطني للمياه هو أهم مشروع مياه إسرائيلي. وقد تطورت فكرة هذا المشروع منذ بداية مساعي إقامة دولة يهودية في فلسطين، بهدف تحويل مياه نهر الأردن وبحيرة طبريا إلى صحراء النقب للزراعة والاستيطان فيها. لذلك، كان اليهود متحمسين أثناء هدنة 1949 للسيطرة على منابع مياه نهر الأردن، ليسارعوا في تطوير المشروع، ويبدأ تحويل المياه إلى النقب عام 1956، ويستمر حتى منتصف أيار 1964.

كان هذا المشروع نقطة تحول رئيسية في الصراع العربي-الإسرائيلي، نظرًا لتأثيره وتداعياته الخطيرة على الأمن المائي والقومي العربي، ومستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلدان العربية. ولهذا المشروع بالتالي، أهمية استراتيجية فائقة لـ«إسرائيل»، وقد كان السبب خلف انعقاد أول قمة عربية تتخذ قرارات محددة، تلك القمة التي كانت عاملًا مباشرًا في حرب عام 1967 والحروب المتتالية التي أنهكت البلدان العربية. فقد شكل هذا المشروع تهديدًا لمستقبل البلدان العربية والأردن على وجه التحديد، الذي يعتمد على النهر بأكثر من نصف احتياجاته من المياه.

تمثل الرد العربي في مقترح من الخبراء العرب بتخزين مياه نهر الأردن بعيدًا عن «إسرائيل»، من خلال بناء سدود على أنهار الحاصباني وبانياس واليرموك. وقد قدم هذا المقترح في المؤتمر العربي المنعقد في القاهرة في 17 كانون الثاني 1964. بيد أن «إسرائيل» قد رفضت بشدة هذه المقترحات، وهاجمت سدّ خالد بن الوليد عام 1966،[14] كمقدمة لعدوان أوسع في صيف 1967. وقد أتاح هذا العدوان لـ«إسرائيل» أن تستولي بالكامل على المنابع الشمالية لنهر الأردن. 

فلسطينيون ينتظرون على جسر الملك حسين فوق نهر الأردن أثناء نزوحهم شرقًا بعد حرب عام 1967. أ ف ب.

إن السيطرة الإسرائيلية على المنابع الشمالية كدولة تتربع على قمة النهر لا يمنحها حقًا شرعيًا، لكونها حازت هذه السيطرة بالقوة العسكرية بعد حرب عام 1967. إذ تعتبر هذه السيطرة بمقتضى القانون مقيدة بالظروف التاريخية للنهر. فحتى بمعايير إعلان مدريد الذي تبنته مؤسسة القانون الدولي، «لا يجوز لأي من هذه الدول على [ضفاف الأنهار] أن تقوم أو تسمح لأي فرد أو هيئة إلخ، دون موافقة الدول الأخرى ودون حجة قانونية صحيحة، بتحويلات تتعلق بالأمر وتضر بضفة الدولة الأخرى. ومن ناحية أخرى، لا يجوز لأي من الدولتين أن تستخدم على أراضيها، أو تسمح باستخدام المياه بطريقة تؤثر بجدية على استخدام الدولة الأخرى أو الأفراد أو الهيئات إلخ، لما ذكر».[15]

عرقلة المشاريع العربية للاستفادة من مياه نهري الأردن واليرموك

سعت «إسرائيل» لإعاقة المشاريع العربية لاستغلال مياه نهري الأردن واليرموك، بذريعة أن هذه المشاريع ستؤثر على تدفق مياه النهر، وتحرم «إسرائيل» بالتالي من حصة الأسد من هذه الموارد. وقد نجحت، كما ذكر سابقًا، في عرقلة عدد كبير من المشاريع، تاليًا أبرزها.

مشروع ماكدونالد 1950: أوكلت الحكومة الأردنية دراسة هذا المشروع إلى المستشار البريطاني السير ميردوخ ماكدونالد، الذي اقترح خطة لتحويل مياه اليرموك إلى بحيرة طبريا وإقامة قنوات ري في وادي الأردن. وقد طالب بعدم تحويل أو استخدام نهر الأردن ما وراء حدود الحوض، ورفض المخططات الإسرائيلية بتحويل مياه النهر إلى صحراء النقب. وقد أعلن أن «المياه في منطقة الرفد لا يجب أن تحول خارج هذه المنطقة، إلا إذا لبت متطلبات كافة من يستخدم أو من ينوي صادقًا أن يستخدم المياه ضمن المنطقة».

بيد أن هذا الالتزام الأخلاقي بحقوق الآخرين لم يستمر طويلًا، إذ سرعان ما تراجع عن مبادئه وغير رأيه لاحقًا نتيجة الضغوطات التي مارستها عليه الحركة الصهيونية. ليس هذا فقط، بل ووافق على تغيير رأيه فيما يتعلق بحصة «إسرائيل»، بما يتماشى مع مطامع الحركة الصهيونية.[16]

مشروع بونجر 1953: كلفت الحكومة الأردنية خبير المياه بونجر، والذي كان يعمل في برنامج النقطة الرابعة في الأردن، لتطوير مشروع يتيح للأردن سدّ الاحتياجات المتزايدة على المياه نظرًا للجوء عدد كبير من الفلسطينيين إلى الأردن عام 1948. كما هدف المشروع إلى تحقيق تطور في قطاع الزراعة، الذي اعتمدت عليه غالبية سكان المملكة، وذلك من خلال ري الأراضي الصالحة للزراعة في الضفتين الغربية والشرقية، وتوليد الطاقة الكهربائية. فاقترح بونجر بدوره بناء سد المقارن على نهر اليرموك بسعة تخزين تصل إلى 500 مليون متر مكعب. وقد حاز المشروع على دعم من الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، التي عبرت عن استعدادها للإسهام بتمويل المشروع مقدمة 40 مليون دولارًا أمريكيًا.[17]

عارضت «إسرائيل» مشروع بونجر لكونه يتجاهل مطالبها في مياه النهر وتخزينها في سد المقارن بدلًا من بحيرة طبريا كما كانت «إسرائيل» ترغب. إذ إنها أرادت أن تبقي المياه تحت سيطرتها المباشرة، وتستخدمها كأداة للضغط على الأطراف العربية المشاركة. لذلك، مارست «إسرائيل» ضغوطات مكثفة على إدارة الولايات المتحدة وحثتها على عدم الإسهام في تمويل المشروع، إلى جانب المزيد من الضغوطات على الأونروا، لكونها الممول الأكبر للمشروع، كي تسحب موافقتها على التمويل.

استجابت الولايات المتحدة للطلب الإسرائيلي من أجل إنجاح مهمة إيريك جونستون، مبعوث الرئيس آيزنهاور إلى المنطقة، التي كانت غاية الولايات المتحدة منها تحقيق النصر السياسي والدبلوماسي من خلال قضية المياه، لتقوية قاعدتها في المنطقة العربية ردًا على تنامي الشيوعية آنذاك.

الاتفاق الأردني-السوري: أعاقت «إسرائيل» الاتفاق الأردني-السوري الذي وُقع عام 1953 من أجل استثمار وتوزيع مياه نهر اليرموك بين البلدين. حاربت «إسرائيل» المشروع لأنه تجاهل رغبتها بالحصول على 70 مليون متر مكعب من المياه. وقد استخدمت «إسرائيل» تأثيرها بالضغط على الإدارة الأمريكية لعرقلة المشروع وعدم المساهمة في تمويله. تبنى الرئيس الأمريكي وجهة النظر الإسرائيلية، ووجدها فرصة سانحة لفتح المجال أمام مبعوثه إيريك جونستون إلى المنطقة كي يجري اتصالاته، ويجد حلًا لقضية المياه ويحقق نصرًا للسياسة الأمريكية.

لم تعد اتفاقية وادي عربة إلى الأردن حقوقه المائية. فقد تمكنت «إسرائيل» عبر المفاوضات من منع تحويل المياه من أعلى نهر الأردن وبحيرة طبريا، وتعاملت معها وكأنها مياه إسرائيلية بالكامل.

بقي الأردن عاجزًا عن تنفيذ هذا المشروع، نظرًا لضعف الموقف العربي في مواجهة الإدارة الأمريكية، ومحدودية القدرات الأردنية، ولارتفاع تكلفة المشروع. وقرر مؤتمر الجامعة العربية في القاهرة عام 1964 تبني وتنفيذ المشروع، غير أن «إسرائيل» أعاقت التنفيذ مرةً أخرى وتمكنت من احتلال منابع نهر الأردن الشمالية وروافده، وروافد نهر اليرموك التي تلتقي مع نهر الأردن، عام 1967.[18]

طور الأردن وسوريا خطة لإحياء مشروع سد المقارن في منتصف السبعينيات. ركز الأردن على بناء السد وأنهى كافة التصاميم والدراسات، كما جذب بعض التمويل الأجنبي للمشروع. لكن وجهة النظر الأمريكية أفادت أن المشروع لا يقدم للأردن ما يصبو إليه من الري الرشيد، وإنما يتيح لسوريا و«إسرائيل» فقط كسب المزيد من المياه طوال العام. تم تأجيل المشروع نظرًا للخلافات الأردنية السورية. لكن أعيد إحياؤه ووقعت اتفاقية بين البلدين ليعاد إنشائه تحت مسمى سد الوحدة عام 2004. وقد أقرت الاتفاقية أن يتحمل الأردن مصاريف كامل مراحل الدراسة، في مقابل أن يتسلم أغلب المياه التي يوفرها المشروع، بينما يضمن لسوريا الحصول على أغلب الكهرباء المنتجة من المشروع.[19]

بيد أن «إسرائيل» حاولت الوقوف في وجه إنشاء السد وتمويله من جانب البنك الدولي، وطالبت الأردن بحصة قدرها 25 مليون متر مكعب من مياه اليرموك لري أراضي مثلث اليرموك. طالب الأردن في المقابل بالاعتراف بحقه في فائض المياه التي كانت «إسرائيل» تسحبها لعدد من السنوات من نهر اليرموك إلى بحيرة طبريا. وقد حولت «إسرائيل» هذه المياه عبر قناة ومحطات ضخ أقيمت بالقوة ومن جانب واحد على نهر اليرموك قبل التقائه بمياه نهر الأردن. أصر الأردن أن الحصة السنوية من مثلث اليرموك هي 17 مليون متر مكعب كما هي مسجلة في المشروع العربي المقدم إلى مفاوضات جونستون، كما رفض الموافقة على منح «إسرائيل» أي حصة من فائض مياه نهر اليرموك في فصل الشتاء.[20]

تبعات الهيمنة المائية الإسرائيلية على الأمن المائي الأردني

تتشارك «إسرائيل» والأردن بمياه نهر الأردن بشكل رئيسي، رغم مشاركة فلسطين المحتلة وسوريا ولبنان فيها أيضًا. لقد صادرت «إسرائيل» المياه من الأردن بعد عدوان 1967 وسحبت مياهها الجوفية من منطقة وادي عربة. ولم تكتف بالاستيلاء على المياه من نهر الأردن ونقلها إلى صحراء النقب لتحرم الأردن من أي نقطة ماء من مواردها الرئيسة فحسب، بل أطلقت المياه المالحة فيه، نتيجة للعديد من المشاريع الإسرائيلية على النهر. وقد قيد هذا الأمر اعتماد الزراعة الأردنية على مياه النهر منذ الستينيات، إلا في حال خلطها مع المياه الجوفية أو بمياه سد قريب.[21] هنا يمكننا تقسيم تداعيات الهيمنة الإسرائيلية إلى قسمين، سياسي، واقتصادي وبيئي.

التبعات السياسية

يفترض بعض المحللين السياسيين أن الحروب القادمة ستكون حروب مياه، ولهذا العامل بالتالي أهمية قصوى على حياة واستدامة المجتمعات. وبالتالي، فإن التوزيع غير العادل للمياه هو أحد العوامل المضافة إلى انعدام الاستقرار السياسي. لم يسترد الأردن حقوقه المائية التي استولت عليها «إسرائيل» بالقوة العسكرية، ولم يتمكن من استرداد هذه الحقوق بعد توقيع معاهدة السلام بين الطرفين. ونظرًا لذلك كان هناك مجموعة من التبعات السياسية الخطيرة.

في الجانب الداخلي، أدّت ندرة المياه، خصوصًا في غور الأردن، بعد أن استولت «إسرائيل» على ينابيع النهر، إلى هجرة داخلية من هذه المناطق إلى المدن، وإلى عمان على وجه التحديد. وقد فاقمت هذه المسألة البطالة وخفّضت الإنتاج الزراعي، الذي اعتمد في ريّه على مياه نهر الأردن. تبعًا لذلك، تحول الأردن من بلد يصدر المنتجات الزراعية إلى بلد يستوردها. وقد استنزفت هذه المسألة الحكومات الأردنية المتعاقبة وخلقت توترات داخلية، نظرًا لعجز الحكومات عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين وبأسعار معقولة. فالأمن المائي يرتبط بالأمن الغذائي، وبالأمن القومي ككل.

على الجانب الخارجي، فإن احتمالية اندلاع حرب على المياه مع «إسرائيل» أمر مستبعد. ولا يعود ذلك لانعدام التوزيع العادل، أو للاتفاقيات الموقعة بين الطرفين، والتي تعتبر غير عادلة للطرف الأردني، بل يعود إلى انعدام توازن القوى بين الطرفين، الذي يميل لصالح الجانب الإسرائيلي، الأمر الذي يرى الأردن الرسمي فيه سببًا للإقبال على المشاريع الإسرائيلية لتلبية احتياجاته المائية.

وهذا الوضع بدوره يجعل الأردن دولة تابعة تبتزها «إسرائيل» في سبيل الحصول على قطرة ماء. وقد ظهر هذا الأمر جليًا في مشروع قناة ناقل البحرين (البحر الأحمر – البحر الميت)، والذي يعتبره الأردن خيارًا استراتيجيًا للتخفيف من شح المياه. إلا أن «إسرائيل» تحاول المماطلة والتسويف في تنفيذ هذا المشروع، لتفرض تهديدًا سياسيًا على الأردن. أضف إلى ذلك أن السفير الإسرائيلي السابق لدى الأردن ربط مشروع قناة البحرين بالقرار الأردني بتجاهل الملاحق ذات الصلة بالباقورة والغمر، رابطًا تخلي الأردن عن المطالبة بالمنطقتين بتسريع بدء المشروع، وهو الأمر الذي رفضه الأردن.[23] 

يؤكد كل ذلك حالة الهيمنة المائية الإسرائيلية على موارد المياه الأردنية، ومحاولات «إسرائيل» لإعاقة أي مشروع مائي أردني يستدعي تعاونًا بين العرب أو أية أطراف إقليمية أخرى، طالما أن «إسرائيل» ليست طرفًا فيه. كما أن «إسرائيل» تمتلك التقنيات المائية المتطورة، والأردن بلد فقير وعاجز عن تنفيذ أي مشروع بمفرده. ولهذا، فإذا ما اختار الأردن تنفيذ مثل تلك المشاريع الثنائية، فسيكون تحت السيطرة الإسرائيلية.

التبعات الاقتصادية والبيئية

كانت إحدى أبرز نتائج حرب عام 1967 تعليق العمل في بناء سد المقارن، الذي أصبح سد الوحدة، لعقود. وقد تحولت الأراضي الأردنية في الأغوار الشرقية خلال السنوات الأربع التي تلت الحرب إلى ساحة قتال. حيث قصفت قناة الغور الشرقية (قناة الملك عبد الله) عدة مرات وفي أكثر من موقع. وقد تسببت هذه الأحداث المتتالية في تناقص عدد سكان المنطقة من 60 ألفًا إلى خمسة آلاف.[24] وقد أدى هذا إلى تعميق أزمة المياه في الأردن، حيث إن تنحية ما يزيد عن 55 ألف شخص داخل الأردن قد فاقم البطالة وزاد من حجم الأراضي غير المزروعة، مما أثر بدوره على الأمن الغذائي والأمن القومي بشكل عام.

قد يفترض البعض أن «إسرائيل» استولت على جزء كبير من حصة الأردن في أعلى حوض نهر الأردن. إلا أن «إسرائيل» في الواقع قد استولت على كامل حصة الأردن من أعلى حوض النهر. فضلًا عن ذلك، نفذت «إسرائيل» عددًا من المشاريع على النهر، وعلى وجه التحديد، مشروع ناقل المياه الوطني، وحرمت الأردن كليًا من مياه نهر الأردن، التي نقلتها إلى صحراء النقب. وكما ذكر سابقًا، يتدفق ما تبقى من مياه النهر إلى بحيرة طبريا، التي حولتها «إسرائيل» بدورها إلى خزان مياه طبيعي. والأدهى من ذلك أن «إسرائيل» ركبت بوابات حديدية في الجزء الجنوبي من البحيرة لمنع المياه من التدفق إلى الجزء السفلي من النهر، وذلك لحرمان الأردن من حصته كاملة. كما تفاقمت المشكلة بالنسبة للأردن عندما حولت «إسرائيل» المياه شبه المالحة من الينابيع المحيطة ببحيرة طبريا إلى نهر الأردن، بهدف تخفيض ملوحة المصب الجنوبي، مما لوّث المجرى بالقمامة والنفايات الزراعية، مثل المبيدات الزراعية والأدوية وغيرها.

إن هذا الصراع، ونهب «إسرائيل» للمياه، يؤثر بكل تأكيد على حصة الفرد من المياه في المملكة، ويؤثر بالتالي على كافة قطاعات التنمية الأخرى. حيث قاد شح موارد المياه إلى عدم القدرة على استغلال آلاف الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة واستصلاح آلاف أخرى. علمًا بأن قطاع الزراعة يوفر أكثر من 125 ألف وظيفة، ويسهم بحوالي 18% من الصادرات. إلا أن نسبة الأراضي الصالحة للزراعة لا تتجاوز 3.5% من مساحة الأردن، و17% فقط من الأراضي المزروعة هي أراضٍ مروية.[25]

إن هذا الصراع، ونهب المياه من جانب «إسرائيل»، يؤثر بكل تأكيد على حصة الفرد من المياه في المملكة، ويؤثر بالتالي على كافة قطاعات التنمية الأخرى.

هكذا، فاقمت محدودية موارد المياه تراجع الزراعة وإنتاج المواشي في الربع الأخير من القرن الماضي. مما أفضى إلى ارتفاع في مؤشر التبعية الغذائية من 43% عام 1970 إلى 87% عام 1990، وارتفاع في ميزان السلع من أقل من 100 مليون دينار في الستينيات إلى 342 مليون دينار عام 1990، و543 مليون دينار عام 1996. ومعظم السلع المستوردة هي من الحبوب والعلف واللحوم الحمراء، التي تحتاج إلى مياه غزيرة لإنتاجها بكميات وفيرة. أضف إلى ذلك أن حصة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي قد تراجعت إلى أقل من 10%.[26]

عمل الأردن لتغطية العجز في ميزان المياه على تطوير المياه الجوفية. حيث قام عام 2000 باستخراج 400 مليون متر مكعب، استخدمت 120 مليونًا منها لغايات منزلية. وقد تزداد الكميات المسحوبة من المياه الجوفية في السنوات القادمة لتلبية الاحتياجات المتزايدة لمياه الشرب، وللاستخدامات المنزلية.[27]

لكن المشكلة التي تواجه الأردن تتمثل في الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية، والذي يهدد مخزونه الاحتياطي الاستراتيجي، خصوصًا مع تناقص هطول الأمطار وسنوات الجفاف التي اجتاحت المنطقة في الآونة الأخيرة. أضف إلى ذلك أن حوض الديسي يعتبر حاسمًا بالنسبة للأردن -في الوقت الحالي على الأقل- لقدرته الكبيرة نسبيًا، ولكونه حوضًا حدوديًا مع المملكة العربية السعودية. ولكن لوجود الحوض في أقصى الجنوب الأردني، مع وقوع التجمعات السكانية الكبيرة في شمال المملكة، فإن الأردن لا يستطيع منفردًا استغلال طاقته الكهرومائية بالكامل. لذلك، تواجه الحكومة الأردنية عوائق في تزويد المدن الرئيسة بالمياه نظرًا للكلفة المرتفعة لذلك.

رغم الوضع الخطر لأزمة المياه في الأردن، فإن النظام الأردني لم يتعامل مع الأمر بشكل جدي حتى العقدين الماضيين. فقد وضعت أول خطة مياه استراتيجية عام 1998، وحدثت عام 2002، لتغطي السنوات من 2002 وحتى 2010. وقد جرى تنفيذ كافة مشاريع الخطة، باستثناء مشروع ناقل البحرين، نظرًا للتأجيل الإسرائيلي. ثم وضعت خطة مياه استراتيجية (المياه من أجل الحياة) حتى عام 2022. ولكن الظروف الجديدة في المملكة، والتي أثرت بدورها على القطاع المائي، أدت إلى الإخلال بالخطط المائية.[28] إذ تمثلت إحدى التحديات الرئيسة في القضايا الجديدة التي استدعت العناية، وخصوصًا التغيرات المناخية، ومطلب التركيز على اقتصاديات الماء، والتمويل، وكفاءة الطاقة، والطاقة المتجددة وازدياد عدد السكان الناجم عن النزوح السوري إلى جانب الازدياد الطبيعي، فقد زاد هذا النزوح من الحاجة إلى الماء بنسبة 12%. 

كان أهم جزء في الخطة الاستراتيجية هو الأهداف التنموية المستدامة في القطاع المائي، الساعية لتحقيق أهداف الأمن المائي، وتحسين وتأهيل مرافق المياه والبنى التحتية، وتحسين نوعية الخدمات وتوسيع التغطية في خدمات الصرف الصحي، وتجسير الهوة بين الطلب والمصادر المتوفرة من خلال التطوير والحماية والاستدامة للموارد الموجودة، فضلًا عن الحاجة لتطوير الموارد المائية غير التقليدية، كمعالجة مياه الصرف الصحي وتحلية مياه البحر. وبحسب الخطة الاستراتيجية، يفترض بالمشاريع المقترحة أن توفر مياهًا إضافية تصل إلى 188 مليون متر مكعب من الموارد المحلية، بالإضافة إلى 235 مليونًا من ناقل البحرين، بمجموع كلي يصل إلى 5,422 مليونًا.

أخذ الأردن خطوات واسعة لتحسين موارده الداخلية، وخصوصًا في بناء السدود وتطوير المشيد منها، كما طور إلى حد كبير نظام معالجة الصرف الصحي وبناء شبكات المياه. بيد أن تلك المنجزات المحققة قد بقيت قليلة بالمقارنة بحجم أزمة المياه، وظل الأردن يراهن بثقله على مشروع ناقل البحرين الذي يصل البحر الأحمر بالبحر الميت، الذي يأمل أن يمنحه كميات هائلة ومستدامة من المياه. إلا أن هذا المشروع يخضع للموافقة الإسرائيلية، والتي بدأت بدورها بالمماطلة في تنفيذ المشروع، خاصة بعد وصول الأحزاب اليمينيّة إلى السلطة في «إسرائيل».[29]

خلفت كل تلك التداعيات وقعًا سلبيًا على الاقتصاد الأردني وعلى المشروعات التنموية عمومًا، إلى جانب تزايد البطالة وانتشار الفقر وتراجع المناطق المزروعة. كل ذلك يدفع باتجاه تراجع النمو، مما يفاقم نقاط الضعف السائدة في الاقتصاد ككل، ويجبر الحكومة على زيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية.

خاتمة

من الواضح أن السياسات الإسرائيلية المتعلقة بالسيطرة على موارد المياه الأردنية لم تعالج كنقطة جوهرية في تكريس أزمة المياه، كما لم تعالج هذه السياسات بشكل جدي. وبالتالي، لم يقم الأردن باتخاذ قراره النهائي بخصوص هذا الموضوع. وفي المقابل، اعتبر النظام السياسي الإسرائيلي قضية المياه وأهميتها عاملًا حاسمًا في بقاء الدولة، وهو ما انعكس في الأولوية التي حظيت بها السياسات المائية.

إن التحديات التي يواجهها الأردن في القطاع المائي تفرض ضغوطًا إضافية على النظام السياسي، إذا لم يتمكن من تلبية احتياجات السكان. كما أن تحدي المياه في الأردن يخلق هبوطًا في الاقتصاد في النواحي الزراعية والصناعية، ويؤثر عمومًا على الأداء الاقتصادي الأردني.

من الواضح أن اتفاقية وادي عربة لم تعد إلى الأردن حقوقه المائية. فقد تمكنت «إسرائيل» عبر المفاوضات من منع تحويل المياه من أعلى نهر الأردن وبحيرة طبريا، وتعاملت معها وكأنها مياه إسرائيلية بالكامل، في حين أنها على العكس تمامًا. 

ومن الواضح أيضًا أن شره «إسرائيل» للمياه لا يتوقف، عندما نأخذ بالاعتبار أنها لم تقبل حتى اقتسام المياه مع البلدان العربية الأخرى. بل إن طمعها يذهب أبعد من ذلك ليصل إلى أنهار الليطاني والفرات والنيل في البلدان العربية المجاورة.

المصدر
حبر
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى