كيف تنتج الحكومة الإرهاب ؟
زوجة تخاف أن تخرج من بيتها, طفل مرعوب من العب أمام منزله, رجل وجل من فكرة ذهابه لعمله, طالب لا يريد الذهاب إلى جامعته, لان والده أو عمه, أو خاله, أو جده, تبنى فكر إرهابي متشدد , وقام بتنفيذ عملية إرهابية.
هؤلاء جميعا, لا ذنب لهم, فلا تزر وازرة, وزر اخرى, وثمة دولة قانون ومؤسسات.
المشهد أقرب الى شريعة الغاب, يسيطر فيها القوى على الضعيف !
قبل أيام قامت الأجهزة الأمنية الأردنية, بعملية امنية في إربد, ضد مجموعة إرهابيين, استشهد على أثرها الرائد راشد الزيود, وأصيب عدد آخرين, كما قتل عدد من الارهابيين, وأسرت مجموعة منهم, فعل الاجهزة الأمنية, يستحق الشكر والتقدير والمكافآة.
بعد ذلك, قامت الحكومة بتسليم جثث الإرهابيين, لاهاليهم, مع توقيع تعهد مشروط. المواطنون, أخذوا تصرفات الدولة محمل, للجد, فرفضوا دفن القتلى في قراهم.
التعهدات بحد ذاتها, من حيث تدري الحكومة أو لا تدري ” قد ” تسهم في إنتاج نواة إرهابية مضادة كرد فعل على الظلم, الذي وقع على هؤلاء, مع ان لا ذنب لهم فيما فعله ذويهم.
هل تذكرون, سجن السلفية الجهادية معا في سجن واحد, ما سهل من تواصلهم, لتنتج عمليات إرهابية, بقيادة أبو مصعب الزرقاوي! هذا ما حصل في تسعينيات القرن الماضي.
نعم, لكل جريمة فاعل و مفعول به، كما لكل جريمة مخطط و منفذ، لكن, لكل جريمة ضحايا.
الصورة النمطية التي يتم التركيز عليها, تعمد على أثر جريمة, مثال ذلك الإرهاب والفساد, كوجهين لعملة واحدة, لكن التمييز, بين الأولى والثانية واضح, بل غريب.
مثلا لو قلنا أن عملية إرهابية نتج عنها قتلى وجرحى, فان التركيز يكون عليهما, دون التركيز على آثارهما, والتي عادة ما تلحق بها, لكنها لا تسبقها, أو لا ترافقها.
في الحقيقة لا أحد يركز, على الآثار المترتبة التي يتحملها أهالي الارهابيين ظلما, من قبل محيطهم, فهم في نظر الشعب يشبهونهم.
ما يعني تحويلهم إلى أهدافا مشروعة للتشهير و الاعتداء قد تصل حد القتل. هب تستطيع الحكومة منع ذلك؟ مع ان وزر العملية يقع على المنفذ لا عبى اهله واسرته, وزوجته, وبناته, وعشيرته !
أحدهم قال لي:” كيف تقول ذلك, وكأنك تدافع عن الإرهاب؟ اميركا التي تعيش فيها, ألقت جثة أسامة بن لادن في البحر”.
إجابتي بسيطة: نعم أميركا فعلت ذلك, لكنها لم تستهدف أسرة, وزوجات, و قبيلة, ومدينة, أو قرية ابن لادن, فهي تعي جيدا ان أفعال الرجل خاصة به, ولا تطال اسرته. هذا من جانب.
من جانب اخر, أسلوب الحكومات في التعامل مع القضايا التي تهدم, استقرآر الاردن, وامنه, لم نراها, في التعامل مع قضايا الفساد مثلا.
فاذا سمحت الحكومة التشهير بأسر الإرهابيين, لكنها لم تسمح أن يطال اسر الفاسدين. لمعرفتها, أن جريرة الفاسد لا تمتد لاهله, فأن سجن أحدهم, فهذا لا يتضمن تشهيرا او ترحيلا, أو نبذا, أو منعا للحياة اليومية لاسرهم, وعشائرهم.
الحكومة هنا ساوت بين الإرهابي والضحية, فحسب مقياسها, يصير بالضرورة ابناء, وبنات, واسرته, وعشيرته, الارهابي, ارهابية مثله.
فالفساد الإرهاب وجهان لعملة واحدة, لكن اختلاف التعاطي مع ملفات الفساد, اختلف عن الإرهاب.
أهناك اختلاف بين الإرهاب الدموي القاتل و الإرهاب الاقتصادي السياسي؟
في الحقيقة خطر الإرهاب الاقتصادي السياسي أشد وأخطر من الارهاب الدموي القاتل, فالارهاب الدموي محدود, لكن الفساد الارهابي, دائم مستمر, كون الارهاب الدموي ينحصر في عملية ومكان وأشخاص معينين. هذا بطبيعة, الحال مع الابتعاد عن ارهاب الفكرة, وتمتدادها.
لكن, الإرهاب الاقتصادي السياسي, ممتد عابر للسنوات, يعتمد سياسة القتل البطىء ويشمل الجميع, ولا يستثني أحد.
المعادلة مقلوبة وغريبة جدا, وتدلل على انفصام عرضي, يبدأ من القاعدة – للأسف – تراها الحكومة وتطمئن لها, لربما تراها وسيلة لضمان استمراريتها !
الى جانب ذلك, لما لم يوقع النائب مازن الضلاعين, وذوي أبو مصعب الزرقاوي, و الارهابيين الذين قتلوا في سوريا, على تعهدات مشروطة من قبل الدولة.
بحيث اغمضت الدولة عينها عن فتح بيوت عزاء لكل واحد منهم, أو لكل من قتل في العراق وسوريا, وقبله في أفغانستان, في اربد, والسلط, والزرقاء ومعان, وغيرها من المدن الأردنية.
لماذا لم يمنع هؤلاء, أم أن عشائرهم قوية, وتقف لجانبهم, حتى في ارهابهم ؟
فالفساد كان ومازال, وحتما سيبقى أحد العوامل المؤكدة لإبقاء سيطرة على الشعب – الشعوب – . كما أن الإرهاب أحد القواعد التي تحاول السيطرة على الأنظمة لهدمها, والحلول مكانها.
فالحكومات ادانت رموز الإرهاب واجهتهم بقوة, وهذا دورها, لكنها لم تواجه الفاسد المؤسسي بذات الفاعلية . فقضايا الإرهاب تحشد الشعب, لكن قضايا الفساد, تفرقه و تشرذمه.
لو أن دافعنا, عن الأردن ضد الإرهابيين, كان بنفس الدافعية والتجييش, والحشد والاهتمام ضد الفاسدين, لربما كان الأردن, أكثر أمنا و ستقرارا , ولكان عصي على اختراق الفاسدين و الإرهابيين !
وعليه, ما جدوى أن يعاقب فاسد دون معاقبة مساعديه، واسرته, واهله وعشيرته, بل وقريته, أسوة بمعاقبة أسر, وعشائر الإرهابيين, السنا دولة يحكمها قانون, وقضاء نزيه, لا الفزعة والتحشيد السلبي.
وعليه, هل تعي الحكومة خطورة ما تقوم به، ودوره في ضخ إعداد كبيرة من أبناء الشعب وتحويلهم, بحيث يصيرون فريسة سهلة لداعش,و خزان إمداد لها, نتيجة الظلم الذي وقع عليهم, جراء قضايا لا علاقة لهم بها.
الخلاصة : قد يعتبر البعض السطور دفاع عن أسر الارهابيين, نغم, صحيح, هي كذلك, فهم لا علاقة لهم, بإرهاب عصابات داعش ومن انتمى لهم. لان الظلم يقع على أسر وأفراد أردنيين يخضعون للقانون كما أي مواطن, له حقوق وعليه واجبات.
#خالدعياصرة
Kayasrh@gmail.com