سواليف
حتى وقت قريب، كان يسهل التمييز بين ما هو خبر حقيقي وما هو قصة مختلقة. الآن يقال إن هناك “أخباراً كاذبة” أسهمت في نجاح ترامب في الانتخابات، وكذلك حادثة وقعت مؤخراً تتعلق بمسلحٍ في مطعم بيتزا بواشنطن.
أصبح هذا المصطلح مستخدماً على نطاق واسع جداً. ولكن من غير المفهوم أن بعض الأخبار الكاذبة هي فقط وهمية إلى حد ما، أو كاذبة لسبب مقنع محترم (مثل الانتقاد). فهل يمكننا وضع تعريف مفيد للأخبار الكاذبة؟ وهل علينا أن نقلق بشأنها؟
أخبار وهمية بالتأكيد
أشهر حادثة وقعت بسبب قصة خبر كاذب كان لها تأثير على أرض الواقع. في 4 ديسمبر، فتح رجل من ولاية كارولينا الشمالية النارَ في مطعم بيتزا واشنطن كومت بينغ بونغ، وتقول شائعة انتشرت على الإنترنت إن هذا المكان هو المركز الرئيسي لشبكة جنس أطفال تديرها هيلاري كلينتون.
يشير المشتركون في “Pizzagate” إلى “شفرة” ظاهرة في رسائل جون بوديستا الإلكترونية، رئيس حملة كلينتون، وحقيقة أن المطعم لديه نفس الأحرف الأولى لـchild pornography، الصور الجنسية للأطفال. (لا ينصح بالبحث عن Pizzagate، تم الكشف عن خلفيات هذه القصة الاستثنائية بالتفصيل على Reply All podcast).
مايك تشيرنوفيتش (Cernovich@)
“أعتقد أنه يحتوي على خريطة تبدو ذات صلة بالبيتزا”.
هذه شفرة. أنا أعرف هذا من تمثيل تجار المخدرات. https://t.co/9mX3kivmPz pic.twitter.com/yk1vJIOlMd
من 4chan وReddit، موقعي الإنترنت اللذين انطلقت منهما القصة، اكتسبت القصة الزخم الكافي للاستفتاء من قبل 1224 من الناخبين المسجلين في أواخر سبتمبر/أيلول، فاتضح أن 14% من مؤيدي ترامب يعتقدون أنها صحيحة.
كان 32% من المستطلعة آراؤهم “غير متأكدين”، مثل المسلح، البالغ من العمر 25 عاماً، الذي رأى أن هناك سبباً كافياً لقيامه بزيارة إلى المطعم “للتحقق بنفسه”، رغم أنه لم يكن مقتنعاً بالنظرية.
صحيح أنها تبدو خيالية، شأنها شأن الكثير من الأخبار الكاذبة. مع ذلك، يعتقد الناس أنها صحيحة.
ما حجم المشكلة الذي يمثله هذا النوع من الأنباء الكاذبة؟
يسهم الاستطلاع في تأكيد أنباء التأثير على نتائج الانتخابات الأميركية عن طريق نشر أخبار وهمية من قبل أنصار ترامب. كما أظهر الاستطلاع نفسه أن 73% من ناخبي ترامب اعتقدوا أن البليونير جورج سوروس دفع أموالاً للمتظاهرين لتعطيل مسيرات المرشح الجمهوري- وهو تقرير إخباري كاذب، كرره في وقت لاحق الرئيس المنتخب نفسه.
كما ذكر مايكل فلين، مرشح ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي، خبراً كاذباً آخر، يزعم أن ديمقراطيي مجلس الشيوخ أرادوا تطبيق الشريعة في فلوريدا. (كما نشر فلين على تويتر رابطاً “يجب قراءته” عن جرائم الديمقراطيين “الجنسية مع الأطفال”، ثم حذفه بعد ذلك). كما نَشر تقريراً زائفاً يزعم أن أنصار ترامب هتفوا “نحن نكره المسلمين، نحن نكره السود، نريد استعادة بلدنا العظيم” في تجمع حاشد ليلة الانتخاب.
تنتشر مثل هذه القصص على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تعطى الروابط نفس الترجيح بصرف النظر عن مصدرها، وخاصةً على “فيسبوك”، حيث يصل عدد الجمهور إلى 1.89 مليار.
أظهرت تحليلات موقع BuzzFeed، أن الأخبار الوهمية جذبت عدد مشاركات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحملة الانتخابية أكثر من تقارير نيويورك تايمز وواشنطن بوست وشبكة CNN، على سبيل المثال. ألمح كل من مارك زوكربيرج وشيريل ساندبرج، إلى أنه من المؤكد أنه من السهل تمييز الأخبار الزائفة من الأخبار الحقيقية. ولكن يوم الخميس، أعلن فيسبوك أنه سيبدأ في تمييز الأخبار الزائفة بمساعدة المستخدمين ومستكشفي الحقائق.
التمييز بين الأخبار
قامت دراسة حديثة نفَّذتها كلية الدراسات العليا للتربية بستانفورد بتقييم أكثر من 7800 من الردود من المدارس المتوسطة، والمدارس الثانوية وطلاب الجامعات في 12 ولاية أميركية للتعرف على قدرتهم على تقييم مصادر المعلومات.
“صُدم” الباحثون من انعدام قدرة الطلاب على تقييم المعلومات، حتى إنهم لم يستطيعوا تمييز الإعلانات من المقالات.
إذا كنت تعتقد أنك كراشد في وضع أفضل من طلاب المدارس المتوسطة فيما يتعلق بتقييم المصادر، فإليك مجموعة من التعليقات على قصص فكاهية “لا يمكن تصديقها”.
ليست المسألة أن القراء أغبياء، أو سذج، لكن شكل الأخبار يجعل من السهل تقليدها، كما أن بعض القصص الحقيقية تبدو غريبة إلى حد كبير.
ما مصدر تلك القصص؟
بكل بساطة، تقوم المنصات الإخبارية باختلاق الأخبار وتشكيلها بحيث تشبه الصحافة ذات المصداقية، لجذب أكبر قدر من الاهتمام. ومن الأمثلة “فوط صحية للمتحولين جنسياً الآن في الأسواق” و”البابا فرنسيس في البيت الأبيض: الإنجيل والقرآن الكريم هما الشيء نفسه” و”إنقاذ بونو خلال هجوم إرهابي”.
يتم استضافة تلك الأخبار المُختلقة على مواقع ذات تصاميم مشابهة للمواقع الإخبارية على الإنترنت، وتُعطى عناوين مثل “سيفيك تريبيون Civic Tribune” و”لايف إيفينت ويب Life Event Web” لإضفاء مظهرٍ شرعي عليها، وبذلك تحدث صدىً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي.
مع النقرات تأتي الأرباح: قال رجل يقوم بتشغيل مجموعة من المواقع الإخبارية الوهمية، من لوس أنجليس للإذاعة الوطنية العامة، إنه يربح ما يقرب من 30 ألف دولار شهرياً من الإعلانات التي تنهال على مواقعه بسبب كثرة مستخدمي الإنترنت الذين يزورون موقعه.
أُطلق أكثر من موقع 100 مؤيد لترامب ينشر الأخبار الكاذبة، من قبل مراهقين في مدينة واحدة في مقدونيا. هل يمكن اعتبار موقع The Onion ضمن تلك المواقع الكاذبة؟ نوعاً ما. على وجه الدقة، يتم اختلاق الأخبار الوهمية لخداع القراء لجذب أكبر عدد من المتابعين للموقع، وبالتالي يزيد الربح.
هل أخبار The Onion كاذبة؟
بيد أن التعريف قد يتسع ليشمل المواقع التي تنشر معلومات مشوهة، أو خارج السياق، أو مشكوكاً فيها من خلال -على سبيل المثال- العناوين الجاذبة التي لا تعكس وقائع القصة، أو التحيز غير المعلن. ورغم أن كل المنصات الإعلامية على الإنترنت مدفوعة إلى حد ما بعدد القراء، ليس بالضرورة أن يكون الخبر قد كتبه المراهقون من مقدونيا ليكون مضللاً. تتيح بنية شبكة الإنترنت ما يسميه رئيس BuzzFeed لعلوم البيانات “نشر معلومات غير مزيفة، ولكنها ليست الحقيقة الكاملة”.
يمكن لمواقع الفكاهة أيضاً أن تؤخذ على محمل الجد، لاسيما إذا كانت منشوراتها تدور حول الأحداث الراهنة أو السياسة، وإذا كانت تظهر خالية من السياق على وسائل التواصل الاجتماعي. غالباً ما تؤخذ The Onion، وClickhole و New Yorker’s Borowitz Report على محمل الجد، خاصة Clickhole التي تبدو كأخبار كاذبة، رغم شعارها: “لأن كل محتوى يستحق الانتشار الواسع”.
إنه المظهر المشابه للحقيقة. صار هاشتاج “#NotTheOnion” وسماً شعبياً للقصص الحقيقية التي تبدو كالمفارقات الساخرة، لدرجة أنه يصعب تصديقها، فتبدو وهمية للوهلة الأولى. على سبيل المثال “الرئيس المنتخب يكتب على تويتر أن Saturday Night Live لا يستحق المشاهدة”.
هل هذا العمود أو التقرير أو الخبر الذي أختلف معه كاذب؟
ليس إذا كان لا ينطبق عليه التعريف المذكور أعلاه. “الأنباء الوهمية” ليست كلها متشابهة.
كيف تمييز الخبر الزائف؟
سوف يقوم فيسبوك قريباً بوضع علامات على القصص المشكوك في مصداقيتها، مع تنبيه يقول “متنازع عليها من قبل طرف ثالث”. هناك ثلاث إضافات لـGoogle Chrome وواحد صدر للتو من Slate تفعل الشيء نفسه بينما تتصفح أنت مواقع الإنترنت.
جمعت ميليسا زيمدارس، أستاذة الاتصال والإعلام في كلية ميريماك في ولاية ماساشوستس، هذه القائمة من المواقع التي تنشر معلومات كاذبة، إما عمداً أو التي لا يمكن الاعتماد عليها كلياً، موزعة حسب الفئة. ونشرت قائمة مفيدة من النصائح تساعد على تحليل مصادر الأخبار.
ولكن نهج فيسبوك يعاني من نقاط ضعف، ولا توجد قائمة كاملة تماماً. لا يمكنك الخطأ إذا قمت بإعطاء الأولوية للمنافذ المعروفة بمصداقيتها، وقراءة الكثير منها. فإن ما ينشر في صحيفة الغارديان -على سبيل المثال- ربما لا يكون من الأخبار، ولكنه بالتأكيد لن يكون أخباراً وهمية. (عذراً برايتبارت).
لو لم تكن متأكداً مما إذا كان الموقع موثوقاً، يمكنك أن تنظر إلى علامات الخطر في لـdomain name الخاص به، مثل .com.co وكذلك في قسم About Us. ابحث في الإنترنت عن مصادر أي اقتباسات أو أرقام فى القصة؛ معظم الأخبار الزائفة لا تذكر أي مصادر، وتلك علامة تحذير أخرى.
إذا كنت تقرأ خبراً لأول مرة على موقع لم تسمع به قط، فربما هناك سبب لذلك. عليك التشكيك في القصص التي تُنشر عن ترامب، وكلينتون، والبابا وكيم كارداشيان وجاستين بيبر، خاصة القصص التي تروى عن مبايعتهم لداعش. كن متأكداً أنه إذا بايع بيبر داعش، ستُخفي وسائل الإعلام ذلك.
ما الذي يمكنني فعله لوقف انتشارها؟
فكِّر قبل مشاركة الأخبار. بقدر ما قد يحبطك التفكير في ذلك، فأنت مؤثر داخل الشبكة الاجتماعية الخاصة بك، قم بالبحث كما ذكرنا ولا تنشر سوى القصص التي تعلم على وجه اليقين أنها صحيحة، ومن مصادر موثوق بها.
يمكنك المساعدة في صياغة وسائل الإعلام التي تريدها. امتنع عن نشر القصص التي تعلم أنها صُممت لجعلك تغضب. موّل الصحافة القيّمة.
وإذا كان لديك أصدقاء على فيسبوك يعتقدون أن القصص التي تُنشر على The Onion حقيقية، اشرح لهم بلطف. فالأصدقاء لا يسمحون لأصدقائهم بتبادل الأخبار الزائفة