كيف انتحر #عمرو_بن_كلثوم
يوسف غيشان
بالرجوع إلى كتاب” معجم آلهة #العرب قبل الإسلام” لمؤلفه الباحث جورج كدر، الصادر عن دار الساقي في بيروت، نكتشف أن (فخر) هو أحد آلهة العرب القديمة قبل الإسلام.
جاء الإسلام، فألغى نظم الآلهة باكمله، لكن آلهة التفاخر استمرت جزءا من #النسيج #الإجتماعي #العربي، الذي يجمع بين تلك #القبائل الوالغة في الصحراء الموغلة فيها. رحل صنم الآلهة من جدران الكعبة إلى أرواحنا المجبولة بالتفاخر حتى ساعة إعداد هذا المقال.
طبعا تذكرون الشاعر عمرو بن كلثوم الذي قتل عمرو بن هند لأسباب لها علاقة بالتفاخر، وسالت معلقته – كما سال دم بن هند-ليتفاخر فيها بأن قبيلته قد ملأت البحر سفنا، وهذا تفاخر اسطوري خيالي لا يصدقه أحد.
وابن كلثوم، هو ذاته الذي تفاخر، في ذات المعلقة -بأن الطفل في قبيلته عندما يفطم (تخرّ له الجبابر ساجدينا)، وهو ذاته الذي أعماه التفاخر وقتله، حيث أنه عندما ساد ابنه(الأسود) أرسل له أحد الملوك كمية من الخمر على سبيل الهدية السنوية، كما أرسل إلى عمرو بن كلثوم، فغضب شاعرنا، وقال مستنكرا (ساواني بولدي؟) وحلف ألا يذوق دسما حتى يموت، وظل يشرب الخمر صرفا، على غير طعام، ولم يزل يشرب حتى مات.
لا تستنكروا ولا تتعجبوا، فحالنا تشبه حال ابن كلثوم، لا بل أن حالنا اكثر بؤسا، فالشاعر قد انتحر عن وعي وعن سابق اصرار وترصد، أما نحن فننتحر بالتفاخر، بلا وعي ولا ادراك ولا ترصد.
لا يتسع هذا المقال لاستعراض تاريخنا الموبوء بالتفاخر حتى استولى علينا الأخوال و(الموالي) والمماليك، وحكمونا أكثر بكثير مما حكمنا أنفسنا لكننا ما نزال على ذات الطريقة ننحرانفسنا بالتفاخر، دون ان نلحظ بأننا نعيش في مستنقع هائل من التردي في المجالات كافة.
التفاخر يلهينا عن واقعنا الحقيقي، ويخلق أمامنا واقعا وهميا موازيا يمنحنا إحساسا وهميا بالتفوق على الآخرين جميعا.
- العالم يتقدم علميا، ونحن نتأخر علميا وعمليا ومع ذلك نتفاخر عليه.
- العالم يتوحد ونحن نتفرق
- العالم يتأنسن ونحن نتوحش
- العالم يعبث بنا كما يشاء ونحن نتفاخر عليه
لا يلهينا فقط، بل يعمينا التفاخر عن رؤية واقعنا الحقيقي المر، لذلك لا نشعر بأن علينا أن نتغير وأن نناضل من أجل الخروج من واقعنا الإفتراضي إلى واقعنا الحقيقي، لعلنا نعي واقعنا، ونعي مشاكلنا، ونسعى للخروج منها، والعودة إلى العالم الواقعي الذي نعيش فيه، بلا تفاخر.
وتلولحي يا دالية