كيف أصيب 600 شخص بكورونا داخل مصنع ألبسة في الضليل ؟

سواليف
رحلة انتقال عمّالية من الشونة الجنوبية إلى منطقة الضليل في محافظة الزرقاء كانت كفيلة لتسجيل 600 إصابة بفيروس “كورونا المستجد” – في يوم واحد- بين عاملين وافدين في المقر الرئيسي لمصنع “أيام ماليبان” لصناعة الألبسة الأردنية الجاهزة.

تفاصيل القصة التي وثقها “المرصد العمالي” بدأت بعد إعلان الحظر الشامل في بعض مناطق وسط وجنوب المملكة في شهر أيلول الماضي، مما دفع إدارة المصنع إلى نقل العمال من منطقة الشونة الجنوبية إلى مقر الفرع الرئيسي في منطقة الضليل التابعة لمحافظة الزرقاء، بصرف النظر عن التزام المصنع بالإجراءات الوقائية التي تحد من انتقال الفيروس بين عمال يعيشون في ظروف غير لائقة “قاسية”. هذا الوضع، وبحسب خبراء، أدى إلى تزايد عدد الإصابات بين العاملين الوافدين ليصل في يوم واحد إلى 600 إصابة مؤكدة رصدت جميعها لعاملين من الجنسية البنغالية.

هذه الأرقام كانت صادمة للسلطات الصحية والعمالية والشعبية، وبخاصة أنها رُصدت في محافظة واحدة. والأسباب “غير المعروفة” كشفت عن جملة من الانتهاكات العمالية والصحية للعمالة الوافدة وشرّعت باب الأسئلة حول ظروف عمل الوافدين في منطقة الضليل الصناعية.

يصل عدد العمال الأردنيين والأجانب في قطاع الألبسة والمنسوجات في منطقة الضليل نحو 21.945 عاملا وعاملة، منهم 16.515 عامل وافد، بينهم 11376 من الإناث و5148 من الذكور، بحسب مديرية السياسات والتعاون الدولي/ قسم بيانات سوق العمل لعام 2019.

الأربعاء ..460 إصابة فقط

ويوضح عماد العنزي المدير الإداري للمصنع أن عدد المصابين الفعلي ليوم الأربعاء هو 460 إصابة فقط، أضيفت لـ140 إصابة سجلت الأسبوع الماضي في نفس المصنع (تم حجرها بالبحر الميت) ولكن لم يتم الإعلان عنها حينها، ليصبح عدد الإصابات يوم الأربعاء 600 إصابة. هذا ما أكده أيضا العامل البنغالي (وشيكن) الذي يعمل في مصنع “ماليبان” وتم حجره منذ أسبوع إثر إصابته بفيروس “كورونا المستجد، “صحتنا جيدة. وأنا محجور مع أصدقائي بالبحر الميت منذ أسبوع إثر إصابتنا بـفيروس بكورونا”.

العامل “وشيكن” واحد من بين 260 عاملاً مصاباً بالفيروس، قام المصنع بنقلهم إلى منطقة الحجر بالبحر الميت منذ اليوم الأول الذي تصاعدت فيه وتيرة المؤشرات الوبائية لفيروس “كورونا المستجد” في الأردن.

لمكافحة “الوباء” في الضليل، تم عزل العاملين والعاملات المصابين بفيروس “كورونا المستجد” في ثلاثة مناطق موزعة كالتالي: “عزل داخلي مفصول بين الذكور والإناث في ذات السكنات القريبة من المصنع، وتم استئجار سكن خارجي خاص للعزل، بالإضافة إلى عزل المصابين في منطقة البحر الميت”، بحسب العنزي.

وحول آلية نقل العمّال من محافظة إلى أخرى نتيجة الحظر الشامل، أكد العنزي أنه تم نقل 90 عاملاً وعاملة من الجنسية السريلانكية من أحد فروع مصنع “ماليبان” الموجودة في منطقة الشونة الجنوبية إلى المصنع الرئيسي في منطقة الضليل، موضحا “أن ارتفاع عدد الإصابات في منطقة الشونة دفع الإدارة إلى إغلاق المصنع لمدة شهر كامل، وعلى أثره تم نقل العمال السريلانكيين إلى المصنع الرئيسي في الضليل أيضا”.

كإجراء احترازي من نقل العدوى للآخرين، قام المصنع بتعطيل العاملين والعاملات من الجنسيات الأردنية والذين يبلغ عددهم ما يقارب 500 عامل وعاملة، بحسب ما أكده العنزي الذي قال “ما ظل إلا الأجانب في المصنع، والمصنع اغلق مؤقتا، فجبناهم على الضليل”.

تعود ملكية مصنع “ماليبان” الذي تأسس عام 2004 لمستثمرين سيريلانكيين، وهو مسجل لدى دائرة مراقبة الشركات كمصنع يحمل الجنسية الأردنية. يعمل في المصنع ما يقارب 2180 عاملا، منهم 1564 عاملا وافدا و616 أردني، بحسب أرقام وزارة العمل لعام 2017.

مصدر العدوى بين العمال “مجهول”

وبمجرد أن ظهر في منتصف أيلول 17 حالة جديدة في ذات المصنع، أوعز حينها محافظ الزرقاء بحجر العاملين في المصنع ومنع تحركهم، الأمر الذي أثار استغراب المتابعين للشأن حول حجم القفزة الكبيرة في عدد الإصابات خلال أقل من 10 أيام وما هي تداعياتها وأسبابها.

فيما نفت إدارة المصنع معرفتها إن كان ارتفاع عدد الإصابات جاء نتيجة نقل العاملين والعاملات من منطقة الشونة إلى الضليل، أو لأسباب أخرى، ولا سيما أن وزارة الصحة ولجنة الأوبئة لم تصرح بعد حول مصدر العدوى. أكد أحد المسؤولين في بلدية الضليل، فضل عدم ذكر اسمه،” أن المشكلة تكمن بظروف السكن التي يعيش فيها العاملون والعاملات غير اللائقة والتي ساهمت بنقل العدوى بين العمالة الوافدة”.

“إن الاكتظاظ في الغرفة السكنية الواحدة هو أحد أسباب نقل العدوى بشكل متسارع، إذ خُصّصت للغرفة الواحدة من سكنات المصانع في المنطقة لـعدد 3 أو 4 أفراد، بينما في الواقع يسكن في الغرفة الواحدة من 6-8 أشخاص” بحسب قول المصدر.

في الوقت الذي حمل المصدر نفسه المسؤولية القانونية “على المسؤولين في المدينة الصناعية باعتبارها الجهة الرسمية التي وافقت على جلب عمّال من منطقة ترتفع فيها أعداد الإصابات بالفيروس المعدي طالب الأستاذ الدكتور معتصم سعيدان، الباحث في إحصائيات كورونا. بـ”ضرورة تشديد العقوبات على التجمعات المخالفة، وتفعيل دور الرقابة في الوزارات المعنية، و متابعة الالتزام بالقرارات الصحية الرامية إلى منع انتشار الفيروس”.

غير أن مدير قضاء الضليل منجد القاضي: أكد في تصريحات صحفية سابقة “لم نغلق المصنع لاستدامة العمل فيه، وبعد ارتفاع عدد الإصابات تقرر إغلاقه وحجر المصابين بسكن واحد”. يرى الدكتور سعيدان أن التقارب المجتمعي في سكنات العمال الوافدين يؤدي إلى انتقال العدوى سريعا، وبخاصة أن عشرات الأشخاص يقطنون في نفس الشقة، ومطاعمهم مشتركة.

كما حذر سعيدان من ارتفاع أعداد الإصابات بين صفوف العمالة الوافدة الموجودة في المدن الصناعية المنتشرة في أنحاء المملكة، إذ تتشابه ظروف المعيشة لدى العاملين في مختلف المدن، وثمة احتمالية ارتفاع الإصابة بينهم .إذا لم يتم التعامل مع تقصي الوباء بجدية.

وبحسب (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 25)، فالحق في مستوى معيشي لائق هو “حق يضمن حصول كل فرد وبشكل غير مشروط على مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاه له ولأسرته” والتي عنى بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 على أنها تشمل الغذاء، والملابس، والإسكان، والرعاية الطبية، وغيرها من الخدمات الاجتماعية وكذلك الحق “في ما يأمن به العوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه”. كما أدرج الإعلان أيضاً أحكاماً خاصة لحماية الأمهات والأطفال.

“العمل “تكتفي بتشكل لجنة تحقيق

وتابع “المرصد العمالي” بدوره تداعيات قضية “مصنع الضليل “والتي كشفت انتهاكات يمكن وصفها بـ”الخطيرة” بحق العمال في ظل أزمة كورونا وعن ضعف في العمليات الرقابية والتفتيشية على المصانع في المناطق الصناعية في ظل “محدودية” أعداد المفتشين في وزارة العمل والتي اكتفت بـ “تهدئة” الراي العام من خلال “توجيه فرق التفتيش بالبدء بحملة شاملة وموجهة ومكثفة على المصانع العاملة في المناطق الصناعية المؤهلة للتأكد من مدى التزامها بمعايير الصحة والسلامة المهنية والتدابير الخاصة للوقاية من فيروس “كورونا المستجد” بالتوازي مع التفتيش الدوري، وذلك حفاظا على صحة وسلامة جميع العاملين فيها.” جاء ذلك على لسان الناطق الإعلامي للوزارة الذي أشار إلى توفر عدد من الأدلة والتعليمات الخاصة بالصحة والسلامة المهنية في ظل فيروس كورونا وأسس طرق العزل في حال تم ثبوت الإصابات والاشتباه بها وتقوم الوزارة بتفتيش دوري على كل ذلك.

لا يزيد عدد المفتشين في الوزارة على 250، مطلوب منهم التفتيش على آلاف الشركات والمنشآت، ما يعني أن فرص تفتيشهم على المصانع محدودة جدا، وفي حال زيارتهم للمصانع، فإنهم يركزون على معاييرها الأساسية، كمدى التزامها بتسليم الأجور في وقتها، ونسبة العمال الأردنيين فيها.

على الرغم من أن وزارة العمل أكدت أن العمال الأردنيين المتوقفين عن العمل في المصنع الرئيسي وفرعه الإنتاجي يتقاضون أجورهم وفقا لأمر الدفاع رقم 6 والبلاغات الصادرة بموجبه باستثناء 25 موظف إداري منهم 13 موظف أمن وحماية، غير أن إدارة المصنع لم تتخذ قرارها بعد بخصوص رواتب العمال المصابين خلال فترة العزل التي سيقيمون فيها، كما أشار العنزي، المدير الإداري للمصنع، إلى أنه لن يتم تحميل العمال أي مبلغ مالي لقاء الحجر الصحي، “نحن حجرناهم في المساكن اللي نحن مستأجرينها”.

جملة من الانتهاكات العمالية، اتسمت بطابع امتهاني لحقوق العاملين والذين جلّهم من العمالة الوافدة، إذ تستغل إدارات بعض المصانع عزلة هؤلاء العمال للاستفراد بهم وبحقوقهم”، وفق ورقة أعلنها المرصد العمالي، بمناسبة يوم العمال العالمي قبل خمسة شهور مضت بان “في الوقت الذي يحتفل عمال العالم والعمال في الأردن بيوم العمال العالمي، كمناسبة تجسد نضالات وجهود العاملين بأجر لتحسين شروط عملهم وفق معايير العمل اللائق وشروط العمل العادلة والمرضية المتعارف عليها دولياً، قامت الحكومة الأرنية بإجراء تعديلات على قانون العمل تشكل انتهاكات صارخة لحقوق العاملين في تشكيل نقابات وإجراء مفاوضات جماعية”

ويشار إلى أن عدد الشركات العاملة ضمن المناطق التنموية 55 شركة، و تتوزع هذه الشركات في 5 مناطق رئيسية تتمثل في سحاب 18 شركة، منطقة الحسن الصناعية واربد 21 شركة، الضليل 13 شركة، 2 في الكرك، و 1 الرصيفة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى