كيف أثرت غزة على الانتخابات النيابية الأردنية ؟

#سواليف

كتبت .. لميس إندوني

إن النجاح غير المسبوق الذي حققته جماعة #الإخوان_المسلمين في #الانتخابات_البرلمانية الأردنية في العاشر من سبتمبر/أيلول لم يؤكد فقط قوة دعم الأردنيين لفلسطين ومساندتهم الراسخة للمقاومة؛ بل كان أيضاً توبيخاً لاذعاً لاستيعاب الدولة للسياسات الأميركية وافتقارها التام إلى الرؤية عندما يتعلق الأمر بالتهديد الذي تشكله إسرائيل .

فازت جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، بـ31 مقعداً (من أصل 138) ـ وهو أكثر من أربعة أضعاف العدد الذي كانت تشغله سابقاً، مما يجعلها أكبر كتلة معارضة في البرلمان.

مقالات ذات صلة

إن جبهة العمل الإسلامي، التي تأسست في عام 1992، هي أكبر حزب معارض وأكثرها نفوذاً في السياسة الأردنية. ولكن نتائج الانتخابات الأخيرة أظهرت بوضوح أن أصوات جبهة العمل الإسلامي امتدت إلى ما هو أبعد كثيراً من القاعدة الشعبية المحافظة التي تحظى بها الجماعة، وخاصة في المناطق القبلية. وهذا يشير إلى أن الارتفاع الملحوظ في الدعم الذي حظيت به لم يكن مدفوعاً في المقام الأول بالدين، بل بدعم المقاومة الفلسطينية، حيث كانت جماعة الإخوان المسلمين في طليعة الحركة المؤيدة لغزة.

#غزة كاختبار حاسم

لقد كان تضامن الإخوان المسلمين مع #المقاومة الفلسطينية واضحاً للغاية قبل وأثناء الانتخابات . حتى أن النائب عن جبهة العمل الإسلامي ينال الفريحات صمم ملصقاته الانتخابية بحيث تتضمن مثلثاً مقلوباً، يرمز إلى المثلث الأحمر الذي تستخدمه كتائب القسام في مقاطع الفيديو التي تنتجها. كما قدم أعضاء جبهة العمل الإسلامي تعازيهم لأسرة ماهر الجازي، سائق الشاحنة الذي أطلق النار على ثلاثة من حرس الحدود الإسرائيليين في الأردن في الثامن من سبتمبر/أيلول، أي قبل يوم واحد من الانتخابات.

هذا فضلاً عن أن الحزب السياسي يتبنى موقفاً قوياً مناهضاً للتطبيع مع إسرائيل.


وقد لاقت كل هذه الإجراءات صدى قويا لدى العديد من #الأردنيين الذين سعوا بوضوح إلى التصويت لأولئك الذين عبروا عن غضب مماثل إزاء الإبادة الجماعية المستمرة ضد الفلسطينيين في غزة، فضلا عن الهجوم المتزايد للمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

في هذه الأثناء، لم يكن هناك أي اهتمام من قبل السلطات وأصحاب النفوذ في الأردن خلال العام الماضي بالتأثير العميق الذي خلفته الحرب على غزة على الرأي العام، ولا بحقيقة أن الأردنيين كانوا خائفين من التهديد الإسرائيلي للمملكة .

لقد تم تجاهل المشاركة الحماسية للشعب الأردني في الإبادة الجماعية التي تجري منذ ما يقرب من عام الآن على الرغم من كل الدلائل. كما تم التقليل من شأن استلهام العديد من الأردنيين للمقاومة الفلسطينية، على الرغم من الابتهاج الساحق الذي أعقب الإجراءات الجذرية التي اتخذها ماهر الجازي.

وحظي الجزع بالفخر عندما قتل حرس الحدود الإسرائيلي، وخاصة من قبل قبيلة الحويطات التي ينتمي إليها، حيث اعتبر ذلك رفضاً للخضوع لإسرائيل.

وبدلاً من أن تستغل الدولة الغضب بين الأردنيين العاديين لتعزيز موقفها ضد الضغوط الأميركية والإسرائيلية، اختارت إطلاق سلسلة من الاعتقالات (بما في ذلك اعتقال الكاتب الساخر الذي يحظى بإعجاب كبير أحمد حسن الزعبي) وترهيب أحزاب المعارضة والناشطين.

في الواقع، فإن الفصائل القوية في الأردن، وأولئك الذين يقفون وراءهم في اللجنة الملكية لتحديث النظام السياسي (التي شكلتها المملكة الأردنية في عام 2021 لإعادة رسم المشهد السياسي في الأردن، ومن المفترض أن تشجع على نظام تعددي حزبي أكثر ديمقراطية)، تجاهلت الآثار المترتبة على تهميش الفلسطينيين، وتجاهل المخاوف المتزايدة بين الناس من أن الجهود جارية للقضاء على القضية الفلسطينية.

وبدلاً من ذلك، تم توجيه الطاقة نحو احتواء نفوذ جماعة الإخوان المسلمين.

وقد تم استغلال “قانون الأحزاب الجديد”، الذي تم تقديمه بما يتماشى مع توصيات اللجنة الملكية، من قبل مختلف الفصائل في الدولة والمسؤولين السابقين ــ المحافظين والليبراليين والانتهازيين المحض ــ لإنشاء أحزاب سياسية لتأمين أو تعزيز وجودهم.

وكان من الأهداف غير المعلنة للدولة من خلال هذا القانون أيضاً تهميش جماعة الإخوان المسلمين، ممثلة بحزب جبهة العمل الإسلامي، والمعارضة.

ويحدث كل هذا في ظل حملة قمع متزايدة على الحريات، بما في ذلك من خلال قانون الجرائم الإلكترونية الجديد القمعي للغاية.
ومن المفارقات أنه إلى جانب الغضب الشعبي المتزايد إزاء التطبيع المستمر مع إسرائيل، شهدت جماعة الإخوان المسلمين زيادة في الدعم الشعبي لها، وهو ما ظهر بشكل واضح في انتصارها الانتخابي الأخير.

تراجع أحزاب المعارضة الأخرى

كما شهد الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني انخفاضاً حاداً في الأصوات وسط الغضب الجماهيري تجاه إسرائيل. وفي حين يجد الحزب تقليدياً الدعم في الدائرة الثانية في عمان ـ وهي منطقة ثرية نسبياً مرتبطة بالمهنيين والمثقفين من الطبقة المتوسطة ـ فقد شهدت هذه الانتخابات أدنى نسبة إقبال على التصويت (11%) من قاعدته ـ وهو ما يشير بقوة إلى فقدان الثقة.

ويبدو أن حتى الفئات الأكثر ثراءً في المجتمع تخشى من تجاهل صناع القرار عندما يتعلق الأمر بالتداعيات التي يمكن أن يخلفها العنف الإسرائيلي على الأردن.

كما ينظر المسؤولون السابقون للدولة الآن إلى المقاومة الفلسطينية باعتبارها حصناً يحمي الأردن من إسرائيل. وهم يشعرون بالإحباط لأن صناع القرار لا يدركون حجم التهديد الذي يفرضه التوسع الإسرائيلي الوشيك، ولا يعملون على تخفيف غضب الجمهور.

أما اليسار، فإن فشله في الفوز ولو بمقعد واحد في البرلمان (على الرغم من الدعم الثابت الذي قدمته الأحزاب اليسارية للنضال الفلسطيني)، يمكن تفسيره بمضايقات الدولة المكثفة وتهديداتها، في حين حاولت أجهزتها سحقهم بالكامل. وقد واجه مرشحهم حيدر الزبان وابلاً من هذه الهجمات.
كان هناك خطأ كبير آخر ارتكبه اليسار في الأردن، وهو فشله في تشكيل ائتلاف واسع النطاق مع الأحزاب القومية والأحزاب الأصغر حجماً التي يقودها الشباب الذين يتشاركون في العديد من وجهات النظر حول قضايا مختلفة. فقد أعطت بعض الأقسام الأولوية لمطالبها الضيقة على حساب الوحدة الأوسع، وفي النهاية دفعت ثمن ذلك.

وفي نهاية المطاف، كانت نتائج الانتخابات الأخيرة مهمة، وكانت بمثابة تحذير بشأن القضايا الحقيقية التي تعصف بمستقبل الأردن في كثير من النواحي.

إذا كان ما يعتقده البعض صحيحاً ـ أن القصر منع أي تدخل في العملية الانتخابية بعد أن أدرك أن الإخوان المسلمين سوف يحققون نجاحاً، وذلك من أجل استغلال ذلك كوسيلة ضغط لمواجهة الضغوط الأميركية ـ فإن هذا يعني أن تحولاً كبيراً قد حدث بالفعل. ولكن حتى لو كان هذا مجرد تحرك تكتيكي، فإن القصر لابد وأن يكون جاداً في استغلال غضب الشعب الأردني ضد إسرائيل.

وعلاوة على ذلك، أظهرت النتائج أن محاولة هندسة نظام التعددية الحزبية فكرة غير حكيمة. فمن الواضح أن مصداقية محاولة تشكيل المشهد السياسي قد ضاعت. والواقع أن ترسيخ التعددية السياسية يتطلب أولاً ترسيخ الحريات المدنية والسياسية، فضلاً عن وضع حد لاضطهاد الناشطين، فضلاً عن استخدام الترهيب لمنع الناس من الانضمام إلى أحزاب المعارضة المستقلة.

ويجب ضمان حرية التعبير والحريات السياسية الأخرى.

المصدر
العربي الجديد
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى