كوني التغيير …المرأة والدولة المدنية / هديل احمد العمري

كوني التغيير …المرأة والدولة المدنية

هديل احمد العمري

كوني التغيير فأنت نصف المجتمع، والمسئولة عن تنشئة النصف الأخر، كانت هذه الكلمات التي أنهينا بها لقائنا الثقافي الفكري، ذلك النهج الذي اعتدنا عليه وصديقاتي في اربد للارتقاء بمعارفنا والسمو بأفكارنا منذ سنين، كوني التغيير كانت خارطة طريق المستقبل المشرق الذي نحلم به في اربد الخير والعطاء للتمكن من الاضطلاعبمسئوليتنا الاجتماعية في النهوض بمجتمعنا بما يخدم الصالح العام للوطن.

فقد كان محورلقاء هذا الشهر الرؤية الاستشرافية لمستقبل الاردن التي أطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني في الورقة النقاشية السادسة والتي تمركزت حول الدولة المدنية، “رؤية حكيمة ومستنيرة، فالدولة التي تستند على الحوار واحترام الرأي والرأي الأخر والتسامح هي التي تخلق مجتمعا ينطلق افراده في فكر سليم باتجاه الوطن والمواطنة، وهي التي من شأنها أن تعزز مفاهيم الاندماج الاجتماعي بين فئات المجتمع، والكفيلة في تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على التلاحم المجتمعي” هذا ما قلته في بداية اللقاء، وفي الحقيقة لم أكن لأتخيل أن نقاشا طويلا سيدور حول ذلك، لا سيما و أنني اتناقش مع مجموعة من الفتيات المثقفات اللواتي يمتلكن حس المواطنة العالي واللواتي يؤمن بأهمية التطور الاجتماعي للنهوض بالمجتمع، كما أنهن جميعا يؤمن بحقوق المرأة ودورها الفاعل في التنمية المستدامة، والدولة المدنية هي دولة المواطنة وسيادة القانون، الضامنة لحقوق جميع مواطنيها ومواطناتها، وهي وحدها الإطارالدستوري والقانوني والمؤسساتي، الكافل لحقوق النساء والضامن لمشاركتهاوتمثيلها العادل، والأمل كل الأمل في أن نشهد حراكا اجتماعيا باتجاه الدولة المدنية في المستقبل القريب لنحقق أحلامنا في مواطنة كاملة تحقق العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين ذكورا واناثا بغض النظر عن مناطقهم الجغرافية، وانتماءاتهم وعقائدهم وأفكارهم ما دامت ضمن أطر المصلحة العليا للوطن، كما أن الرهان الكبير في التغيير المجتمعي في هذا الاتجاه، يرتكز على تفعيل حقيقي لدور المرأة في دعم وترسيخ مبادئ الدولة المدنية، الأمر الذي جعلني اشاركم نقاشنا من خلال مقالتي هذه.

فقد انقسمت المجموعة بين مؤيد ومتحفظ، ولأكون أكثر موضوعية فالكل كان مؤمنا بفكر جلالة الملك في هذا المجال إلا أن تساؤلات عديدة كانت تدور في أذهانهم حول مدى تقبل المجتمع للفكرة، وقد كان في كفة المتحفظات عدة اتجاهات، الاتجاه الأول كان يرى أن هنالك من يروج لفكرة أساسها بأن الدولة المدنية معادية للأديان بشكل عام، والبعض قال ان هنالك تيار من الافراد يشككون في أنها تستهدف الإسلام بشكل خاص و أن تلك الفئات من الافراد يشكلون معيقا كبيرا في مجتمع محافظ مثل اربد ، أما الفريق الثالث فقد كان يرى أننا في أربد لنا وضع خاص نظرا لوجود العشائرية والتي سترفض فكر الدولة المدنية باعتبارها مهددا للعشائر، والدولة المدنية تحتاج لمن يؤمن بمبادئها، من هنا بدأ النقاش والذي تلخصه السطور التالية.

بداية دعونا نناقش كيف تكون الدولة المدنية معادية للأديان؟ فالدولة المدنية مشتقة من أسمها ولا تحتاج إلى فتوى في ذلك، فهي الدولة الحديثة التي تبنى على المواطنة دون تميز على أي أساس وذلك عبر السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، فالجميع متساوي امام القانون في الواجبات والحقوق، والميزان الوحيد للتفرقة بين الاشخاص هوالقانون والمواطنة أي دستور الدولة، ودستور الدولةينص على ان دين الدولة هو الإسلام، كما ينص على احترام كافة الأديان الأخرى دون تميز أو مساس بحقوقهم، إذا فالدولة المدنية هي دولة القانون والمجتمع المدني، والحامية للأديان ولا تقف في وجه إلا من ينصب نفسه ممثلا لرب العالمين ليكفر ويخون، ومن منا لا يريد وضع حدود لمثل هؤلاء الافراد الذين يُفصلون الدين ليكون في خدمة مصالحهم، والآن أنا أتوجه بالسؤال إليكن وانتن منكن المسلمة والمسيحية، هل تتعارض الدولة المدنية مع الأديان؟وتساءل يطرح نفسه ألا تعتبرون أننا في الأردن نشكل مثلا فريدا في أعلى درجات الاندماج الاجتماعي بين كافة الأديان والمذاهب، وأليس وجودنا معا اليوم ونحن من اديان مختلفة نناقش ذات الهموم والتطلعات دليلا قاطعا على ذلك؟

أما بالنسبة للعشائر فكلنا يعلم ويعرف حق المعرفة أن العشائرية كانت أحد أهم اركان تقدم وتطور المجتمع الاردني، ولم ولن تكن العشائر يوما ما معيقا لتطور المجتمع، كما كان القانون العشائري يوما ما هو الضامن للحفاظ على أمن واستقرار المجتمع، وهكذا كان التلفاز الأبيض والأسود، والحاسوب بحجم الغرفة، والآلة الكاتبة التي تستغرق ساعات لطباعة صفحة، هي قمة الأجهزة التي من الممكن أن تخدمنا في ذلك الزمان، ولكنها تطورت بسرعة هائلة، كما تغير أبناء العشائر ليكون أصحاب علوم ومعارف يشغلون أعلى المناصب، وقادة للتغيير والتطور في الكثير من المجالات، فهل تعتقدون أن مثل هذه الشريحة ستقف بوجه التطور والحداثة، وهل منكن ، وأنتن تمثلن عموم المجتمع، وبينكن عدد كبيرمن أبناء العشائر يؤمن بأن يُعفى قاتل طفل في عرس نتيجة رصاصة طائشة، أو ضحية حادث دهس من قبل شاب متهور قرر مخالفة القانون؟ أو أن يتم استغلال سائق لم يكن ذنبه إلا أن احدهم قرر مخالفة القانون باعتراضه طريق المركبة من ممر ليس للمشاة سواء كان ذلك عمدا أو اهمالا، وهل منا من ما زال يؤمن بجلوة عائلة كاملة لخطأ فرد فيها، وأما آن الأوان لإحداث التغيير من خلال تعزيز ثقافة احترام القانون لدى المواطنين، فيكون القانون الحكم الفصل الذي يضمن حق تلك الام المكلومة، والأب الذي كان يراقب باليوم ضحكات أبنه، أما آن الأوان للحد من إزهاق أرواح ما كان ذنبها إلا أنها كانت تشارك في عرس، أو تسير في طريقها إلى المدرسة ، أو أن يستغل سائق مركبة ملتزما بقواعد المرور، فيدفع كل ما جمعه سنين عمره ليؤمن أبنائه، ليس لذنب سوى أن أحدهم قرر أن يرمي بنفسه أمام مركبته عمدا أو اهمالا ، وكلكن يعلم أن كل هذه ممارسات نشاهدها أو نسمع عنها يوميا في حياتنا، وفي معظم الأحيان يتم الضغط على الضحية ليتنازل ويسامح في حق أبنه أو زوجته أو أي من أفراد أسرته الذي فقدمه تحت شعار القضاء والقدر.

في هذا الإطار لا يسعني أن أقول ألا اننا يجب بان ننظر إلى العشائر كشريك داعم في ترسيخ قيم الدولة المدنية باعتباره نظام اجتماعي متطور يؤثر ويتأثر في النسيج الاجتماعي، نظام كان ولازال وعلى مدى العصور يمتاز بالمرونة والكفاءة العالية في مواكبة التقدم الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات ولم تكن يوما في صفوف من تخلف عن ركب التقدم الاجتماعي لمجتمعه ووطنه، وان نتجاوز فكر المشككين في هذا المجال ودعم هذا الوطن.

وفي النهاية علينا أن نقر جميعا بأن المجتمع ما هو إلا مكان تفاعل اجتماعي تتعدد فيه الاتجاهات، والرؤى والتطلعات، وقد تتوافق أو تختلف وجهات النظر، لكننا في النهاية وفي ظل الدولة المدنية قادرين على إيجاد مساحة لكل فرد في هذا المجتمع للمشاركة الفعالة والبناءة في حوار يتسم بالشفافية، يفتح الافاق للتوافق على مبادئ مشتركة تتعلق بالوطن والمواطنة، وخلق التغيير الإيجابي في المجتمع لدعم مسيرة التنمية المستدامة في وطننا الحبيب.

و أخيرا علينا أن نناقش خصوصية دور المرأة في الحراك الاجتماعي باتجاه الدولة المدنية الذي نطمح جميعا لتحقيقه على المدى القريب والبعيد للنهوض بالوطن والمواطن، فالمرأة تمثل نصف الطاقات الوطنية في كل محفل، ولا شك بأن أي تعطيل لطاقاتها له انعكاساته السلبية على وتيره الحراك الاجتماعي نحو التكامل الإنسانيللنهوض بالمجتمع الأردني، كما أن للمرأة دور أخر ريادي في تنشئة الأجيال والتأثير الإيجابي والسمو باتجاهاتهم الفكرية والسلوكية لخدمة المجتمع والوطن، ومن هنا يتضح الدور الحيوي المنشود من المرأة تجاه أمتها ومجتمعها في تحقيق التغيير في الحراك الاجتماعي الهادف لترسيخ مبادئ الدولة المدنية، فمشاركة المرأة جنبا إلى جنب مع الرجل في الحراك الاجتماعي الثقافي لم يعد خيارا، ولعل المرأة في مؤسسات المجتمع المدني بات مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى من توحيد جهودها وطاقاتها وامكاناتها وتوجيهها لتهيئة بيئة ثقافية اجتماعية ملائمة لترسيخ مبادئ وممارسات المواطنة الصالحة في ظل الدولة المدنية لضمان سرعة التغيير الاجتماعي المنشود، .

فكان نهاية لقائنا بكلمات اتفقنا عليها جميعا لتكون خارطة طريق لمستقبل أكثر اشراقا نحلم به في اربد العطاء في ظل دولة مدنية عمادها المواطنة الصالحة واحترام سيادة القانون والعدالة والمساواة “كوني التغيير فأنت نصف المجتمع، والمسئولة عن تنشئة النصف الأخر”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى