غبار المعارك الرقميّة / يوسف غيشان

غبار المعارك الرقميّة
قبل ابتكار الحاسوب بقرون ، كانت ثم معركة رقمية دائرة بين العرب والغرب، معركة عابرة للزمان والمكان وللتاريخ والجغرافيا، وماتزال رحاها تدور، بشكل دؤوب، حتى ساعة اعداد هذا البيان.
ربما تكون الأرقام العربية هي اول احتلال غربي للحضارة العربية، احتلال حضاري علمي ، لم يطالب بزواله أحد، لأن احد لم يشعر به ، الا بعد ان تحول الى واقع معيوش، وممارسة يومية حية .
اتحدث عن الرقام العربية (123456…..)التي ابتكرها الخوارمي ، وأسماها بالأرقام العربية، وتم استعمالها في الأندلس وبلاد المغرب العربي ، ثم انتقلت الى اوروبا، التي سرقتها ، اضافة الى الصفر(0)العربي ، لتكوّن هذه الأرقام ، وهذا الصفر ، الأرضية المناسبة للتقدم المدني والنهضة العلمية الأوروبية .
وكان الأوروبيون قد استخدموا في البداية، بشكل غير موسع، الأرقام الهندية ، التي نستخدمها حاليا ، وهي الإبتكار الأولي للخوارزمي ، الذي طوره عن مجموعات من أنواع الأرقام الهندية ، لكنه عاد بعد سنوات وابتكر الأرقام العربية ، التي يستخدمها الغرب حاليا ، وأضاف اليها ابتكار الصفر(0)، بعد ان كان يكتب على شكل نقطة (كما نستخدمة عربيا حتى الان)، حتى لا يختلط مع النقطة العادية .
لا اعرف اذا كان الأمر مجرد صدفة، لكن احتلال الرقم العربي من قبل الغرب ، كان اعلانا لبداية النهضة الأوروبية – كما اسلفت-، ولا اعرف بالضبط، اذا ما كان تمسكنا بالأرقام الهندية وبالصفر القديم ، كان بداية لتراجعنا الحضاري والعلمي. قد يكون في الأمر مبالغة ما ، لكنه لا يخلو من الحقيقة تماما.
الغريب، ان الفرع الإقليمي العربي للوثائق والمعلومات(عرابيكا) قد اثبت قبل عقود ان الأرقام المستخدمة اوروبيا هي ذاتها الأرقام العربية ، وذلك بالعودة الى وثائق صدر الإسلام، ودعا الدول العربية المشرقية الى استبدال الأرقام الحالية، والصفر الحالي، لكن احدا لم يلب النداء، حتى الان.
الأرقام الهندية التي نستخدمها حاليا في المشرق العربي ، كانت تسمى (الأرقام الغبارية)، لأن المعلمين في البداية كان يقومون بتدريسها للتلاميذ، في الكتاتيب، عن طريق كتابتها بأعواد البوص او بالإصبع على لوح مرشوش بالغبار، فتظهر امام التلاميذ ، ثم يتم محوها، ووضع طبقة جديدة من الغبار، لإستكمال الدروس.
يبدو ان اصرارنا ، حتى الان، على استخدام الأرقام الغبارية هذه، قد حول مشاريعنا ومحاولاتنا في التقدم والتحرر ، الى مجرد وشوم رقمية على لوح من الغبار ، يتم محوها بسهولة.
الا تلاحظون معي ، ان جميع محاولاتنا للتحرر والتقدم ، بكل اشكالها ، من اقصى اليمين الى ادنا اليسار، قد تحولت الى غبار في غبار في غبار..وما زلنا ندور في ذات الدائرة..وما يزال لوحنا مغبرّا؟؟؟؟.
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى