كواليس

كواليس

بقلم : محمد نصار

اذا كان المسرح عالما من خيال كاتب استحضره من واقع انساني متشابك الاحداث والقضايا. صور وجسد من خلاله خبايا التاريخ وجلب السلاطين وجبابرة الازمان صاغرة امام النظارة فرجة للجماهير اللاهية صورها مرة على كرسي العرش تملك الفعل والاراده وقدمها مرات خلف القضبان اسيرة ضعيفة وعلى الاسرة عاجزة لا حول لها ولا قوة.

نقل اخبار السلاطين وكشف اسرارهم و مؤامراتهم واعلن خلافاتهم وفضح المستور من شؤون حياتهم في اوراق مذكراتهم الفاسدة ….؟؟ .

هو ايضا دفتر مذكرات خاص يعري نفوس السلاطين فوق المسرح وامام الجماهير العامة.

له القدرة ان يدخل ــ ا لمسرح ـــ غرف قصورهم التي تحفظ اسرارهم وتجمع ثرواتهم وتنشد افراحهم ينثرها في باحة القصر وامام الملاء وتحت ضوء الشمس يكشف النفائس من الذهب والفضة امام انظار وافواه الجوعة منهم عندها لا ينفع الصبر ولا يخشى الناس سلطانهم او مدافعهم .

عندما يعري الفنان غيره على خشبة المسرح يرقص ويغني كما الطير يرقص مذبوحا من شدة الالم هو يبكي اشخاصه وعالمهم المهيكل يمثل احاسيسه ويكشف اسرارهم ويفضح حلمه من خلال شخوصه التي مثلها . هو قائد وطن تارة صارع التاريخ يوما وتحدى كل الطغاة . مثل رئيس دولة يبذخ دون عناء ويعطي دون حساب هوعاشق عاشر النساء قبل الزواج في ريعان سلطاته وملكه.

ثم نقل حياته في عرض اخر من بلد اخرى حلم جميل بصفحات مذكرات خطها باحاسيسه المتعالية ومشاعره القوية واوامره النافذة في قصره آسف…. في جنته .

و في عرض درامي اخرفي بقعة ما من الارض عندما كان ناسه يبحثون عن رغيف العيش صور يوم زفافه طائرا محلقا بلا جنحان لا يرى الا الغيوم ولا يسمع الا موسيقى الاطراء .

ثم بعد مرور السنين هو مشرد طريد متسول في بلاد الله يستجدي الرحمة و مطروح على الارض يستصرخ النجدة فوق الخشبة يشكو ناسه و يلعن يومه ويسب اهله ويتمنى ان يكون تراب منسيا .

هكذا هو المسرح ممثل يلعب فيه اكثر من دور هو ملك وسلطان شيطان متمرد ومستسلم هو حاكم ومحكوم ممثل يقدم اكثر من شخص ويمثل احداثا بصدق. شاهدناه يقدم عرسه باجواء خياليه وينقل جوعه على الارض هذا هو المسرح الذي يقال عنه مرآة الشعوب .. مرآة متناقضة تصوير بلا رحمه ولا ينفع معه الاستجداء لكنك تعرف خفاياه و تدرك كنهه وقواعد اللعب فيه .
اما مسرح الحياة فهو عالم اخر .. مسرح من نوع اخر يحفظ الملفات ويستر المنثور منها بين الفراش الدافىء والطاولات المستديره المجللة بالوان براقه تخطف الابصار وتذهب العقول .. وعليها يتم توقع الشيكات النقديه وتدار لها الادبار على وجبة د سمه تطبخ على نار هادئه تحت رعاية شيف يمتلك فن الذوق وفن الطبخ مضياف يعرف ماذا يقدم قبل الاكل وبعد الاكل يعرف كيف يعرض ومتى يقدم مناديله المبللة في حفل عشاء يأسرنا بأشكال وانواع ومغريات الطبخ فيه .هنا تتهافت السلاطين على التوقيع لانهم يحسون بعظمة كبريائهم و مجدهم يعيشونها ذكريات واقعيه .
تدهشهم تلك الحالات الاحتفاليه ويتمنىون ان تدوم الى الابد ولكن لا بد من ويكيليكس او من ثورات المحرومين يوما ما حتى وان طالت مدة العرض ثلاثين عاما ويزيد . هكذا هي البرتوكلات وقوانين اللعب السياسي على الارض .
لكن ذكريات الممثل فوق وخلف المسرح هي احلام ورديه لعب وضحك ،عشق وحب ، جد وهزل بين الواقع المقدس والواقع المزيف . ولكن الكواليس في نهاية المطاف ( كواليس المسرح والحياة ) هي ايضا كتاب مفتوح بعد رحيل السلطان ومغادرة الممثل صدى التصفيق. تبقى المذكرات اسرارا مكتوبة في دفتر مذكرات مفتوح لممثل محروم او لسلطان مطرود لا تعلن الا بعد مغادرته او رحيله كرسيه ونزوله من فوق خشبة مسرحه تعلن بمحض ارادة غيره من خلال اوراق واسرار (ويكيليكس) او من خلال الجماهير المتعطشة وثوراتها الباحثة عن العدل و الحرية ومحاربة الفاسدين العابثين في حقوقهم الانسانيه .

———————
د. محمد نصار -ناقد مسرحي-جامعة اليرموك.
mohamadnassar2002@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى