كورونا يفرز القيم الإنسانية والحضارية

كورونا يفرز القيم الإنسانية والحضارية
المهندس: عبدالكريم أبو زنيمة

ما إن أعلنت الحكومة الصينية عن تفشي وباء الكورونا في الصين حتى أطل علينا العالم الغربي -وخاصةً أمريكا- شامتاً ومؤلباً الرأي العام العالميّ ضدّ الصين محاولاً بذلك استثمار الأزمة لأهدافه الاستراتيجيّة الاقتصادية ، لكن الصين لم تأبه لتلك الأبواق العنصرية ومضت في حربها ضد هذا الوباء البيولوجي المصدّر إليها أصلاً من الولايات المتحدة الأمريكية، فانتصرت في حربها ضدّه وسطرت معجزة أبهرت العالم أجمع، وتمكّنت من السيطرة عليه وأظهرت أنها دولة اجتماعية حضارية إنسانية خلافًا لما روجته الأبواق المعادية، وهي اليوم تقدم مساعداتها الطبية وخبراتها للعالم في كيفية محاصرة وتطويق الوباء والانتصار عليه.
لم يتوقف هذا الوباء داخل الحدود الصينيّة بل انتشر في كافة دول العالم، فالبرغم من مناشدة الكثير من قادة العالم لتوحيد الجهود العالمية للتصدي لهذا الوباء إلا أن ترامب رئيس أقوى دولة بعنجهيته وغطرسته أفشل تلك النداءات بل وحاول استثمار هذه الأزمة لصالحه ومحاولته شراء حقوق الملكية للقاح الذي تطوره الشركة الألمانية (كيور فاك) واحتكاره إلا دليلاً على وحشية النظام الرأسمالي، هذا النظام الذي لم يراعي أبسط حقوق الإنسان التي لطالما تشدق بها فهو اليوم يعاقب كل الشركات والدول التي تقدم المساعدات الطبية لإيران، وهو اليوم ما زال يفرض أشد العقوبات على إيران ويحرمها من فرصة التصدي للوباء، وهو الذي لا زال يدعم الحرب على اليمن ويحرمها أيضًا من الاستعداد لمواجهة الوباء، وهو الذي يدعم الكيان الصهيوني ومحاصرته للشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزه والضفة الغربية المحتلة، الغرب المتوحش هو من يدعم الأنظمة الديكتاتورية ويرعى الإرهاب ويستثمر فيه في كل العالم لنهب ثروات الشعوب .
كورونا أفرز العالم إلى دولٍ حضارية إنسانية تؤمن بأنَّ الإنسان هو غاية التنمية وهدفها ودول تؤمن بأنَّ الإنسان هو الأداة والوسيلة لخدمة رأس المال، فالصين لم تفرق بين غني وفقير بل نظرت إلى (1.4) مليار إنسان بعينٍ واحدة دون تمييز، بينما نرى اليوم دول الغرب تتخبط في أزمة الكورونا وتترك مواطنيها بلا رعاية، هذه الدول التي لطالما تغنّت بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتي استعمرت الشعوب ونهبت مواردها الطبيعية وخيراتها لم تهيء لمواطنيها الرعاية الطبية حتى وصل بهم الأمر إلى ترك كبار السن يموتون بلا رعاية ولا علاج، فقط الأغنياء هم من يحضون بالرعاية الصحية ونسبة لا تتجاوز 30% من مواطنيهم فقط مؤمنين صحياً وحتى هؤلاء المشمولين بالتأمين الصحي تذهب أموال رعايتهم الطبية لأصحاب رؤوس الأموال ولأصحاب شركات التأمين الصحيّ الكبرى، هذه الدول الاستعمارية التي لطالما وقفت وتضامنت مع بعضها وتحالفت ضد الشعوب الأخرى نراها اليوم عاجزة وتتخلى عن بعضها أمام فيروس الكورونا وينأى كل منها عن الأُخرى، هذه الدول لم تجد من يقدم لها الدعم والمساعدة إلا تلك الدول التي لطالما ناصبتها العداء وتحالفت فيما بينها لتضييق الحصار والمقاطعة عليها تلبيةً لأوامر سيدهم في البيت الابيض الذي تخلى عنهم اليوم وهو نفسه سيغرق في بلاده أمام الكورونا، فقط الصين وروسيا وكوبا هم من قدموا المساعدات والكوادر الطبية لكثير من الدول وللدول الغربية المنكوبة مثل إيطاليا وإسبانيا وغدًا لفرنسا وغيرها، الغرب الرأسمالي لا يتباكى اليوم على ضحايا فيروس الكورونا وإنما يتباكى على خسائر بورصاته المالية وخسائر منتوجاته وأسهمه واستثماراته! بل حتى أنَّهم يُجاهرون بثقافتهم وفلسفتهم وأدبياتهم بضرورة التخلص من جزء من البشرية! باختصار وبدون إفاضة اليوم يتجلى الفرق بين الفكر الاشتراكي الإنسانيّ والفكر الرأسمالي المتوحش!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى