كورونا: قراءات معمّقة!
د. علي المستريحي
لا زال العالم كله تقريبا بالمرحلة الأولى من إدارة الأزمة (وهي التعرف على سلوك الفايروس واستجابات الناس والحكومات له) والتعامل مع الشائعات، مع محاولات محدودة ومتشتتة باتجاه البحث عن علاج. أما العالم العربي كله فما زال مشغولا بالبحث عن تفسير الوباء بين كتب التاريخ والدين القديمة بعيدا حتى عن جوهر الدين نفسه !
وقلة من الدول تعدت المرحلة الأولى إلى ملامسة المرحلة الثانية (وهي احتواء الأضرار الناتجة عن الأزمة، مثل الدعم المقدم للمواطنين وبعض القطاعات المتأثرة. أمريكا وكندا مثالان). فالمشكلة القادمة ستكون اقتصادية مالية بامتياز، فاستعدوا!
وطبعا لا زلنا بعيدين كل البعد عن المرحلة الثالثة (وهي الدروس المستفادة من الأزمة). فمن تلك الدروس أن الروحانيات وحدها لا تقدم حلا كاملا للأزمات! وهنا فالاختصاص هو الفيصل والفاصل. إن طريقة تعاطي غالبية “المشتغلين” بالدين مع الوباء (والأزمات بالمجمل) بالتوجه لله تعالى بالدعاء وحده، بالبكاء تارة وبجلد الناس ترجمة لنظرية “كثرة ذنوبهم” باعتبار ذلك سبب الوباء ونقمة “الرب” تارة أخرى، دون الأخذ بالأسباب والبحث عن الحلول، أثبتت فشلها بكل المعايير، وأثبتت فشل هذه الفئة أيضا وبامتياز بقدرتهم على التعاطي مع الوباء وعززت عدم الثقة بهم والاتجاه للثقة بأهمية العلم.
وثمة قراءة أخرى لكورونا، فالوباء سيعيد صياغة مفهومنا وطريقة تفكيرنا لشكل الحرب والسلم العالميين. العدو هنا مفقود وغير مرئي، العالم كله يشترك بالحرب ولا يعرف طرفٌ انحيازه لطرفِ وبأي اتجاه وعلى أي جبهة يحارب! عدم الانحياز أو تجنب الحرب هنا ليس خيارا. وسيضع المستقبل نظرية الفراغ الكوني quantum theory بالواجهة، فأعاصير الأزمات عابرة للحدود، عطسة صيني جالت الكون كله وكحة إيراني ردد صداها آلاف البشر!
أثبت الوباء أن الانسان كائن ضعيف جدا، وسيبقى كذلك مهما تقدم العالم تكنولوجيا. مع هذا، فالصراع القادم صراع علمي تكنولوجي اقتصادي بامتياز، من يمتلكها سيبتلع العالم كله! أما الدول الفاشلة التي لا تقيم وزنا للعلم وللبحث العلمي ستدرك كم هي فاشلة حقا!