كم فرنكشتاين سننجبُ بعد؟
معظمنا يتوق لتمثيل دور المصلح الاجتماعي والمنقذ الذي سيخلّص العالم من كل الشرور والمظالم، معظمنا يسعد باعتلاء عرش القاضي والبدء في محاكمة الجميع من على متنِ كرسيٍّ مريح، وفرز البشر إلى كاذب وصادق إلى جيدٍ وقبيح، وينسى الفرد فينا الكثير من عيوبه ونواقصه وهو مشغول بمحاسبة الغير، ليقع في شر أعماله لاحقاً ويقف حائراً مكانه لا يقوى على المضي قدماً عاجزاً عن السير!
من قرأ رواية المبدع أحمد السعداوي فرنكشتاين في بغداد سيدرك خطورة تمجيد إنسان معين وتنصيبه قائداً مسؤولاً عن النهوض بالعدالة ودفن الظلم! هذه الرواية التي تألق كاتبها بالحديث عن كل المجرمين من حولنا وكيف أننا نساهم بشكلٍ أو بآخر بصناعتهم دون أن نعلم لنتورط بعدها ورطة خطيرة محاولين عبثاً التخلص منهم ولكن دون جدوى، كأننا نخرجهم من باطن الأرض بأيدينا رغبة منا في الانتقام من بعض الأشرار لنتفاجأ فيما بعد بتمردهم حتى علينا ومحاولتهم التخلص منا مع أننا اوجدناهم وجعلناهم يبصرون النور، وتحولهم تدريجياً إلى فرنكشتاين مجرم لا يفرّق بين مذنبٍ وبريء!!
لو نظرنا حولنا جيداً لرأينا الكثير من العصابات الفرنكشتانية التي تجوب بلادنا وأوطاننا وتعيث الخراب في كل مكان، عصابات تدعّي النزاهة والإيمان، تعزف على أوتار الدين لتغريَ كل إنسان، تأتينا جماعات ترتدي عباءة الإصلاح والنور، لتخلع لاحقاً ثيابها وتتعرى أمامنا وتظهر ما تحمله من فجور، ليس هذا فحسب، حتى بيوتنا وعوائلنا تعجَّ بمثل هؤلاء، شخصٌ يرى أنه فرنكشتاين خارق يحق له معاقبة المسيئين ليتمادى في طغيانه لاحقاً ويظلم الصالح مع الطالح، مع أنه بشعٌ جداً وصفاته اللأخلاقية هي التي جعلت السادية تستوطنه وتقنعه أنه نزيه وفريد وما دونه من البشر حشرات وعبيد…
ٍمن يجلس أمامك ليحدثك عن عيوبك وذنوبك باغته أنت أيضاً بسيل
من زلاته ونواقصه، من يبالغ في ذكرِ خصالك السيئة غافلاً عن حسناتك اسرد أمامه مواقفه اللعينة ليدرك مدى بشاعته فيصمت بعدها للأبد بل ويعتذر على وقاحته، نحن من نقاوم أي فرنشكتاين يحاول التأثير علينا وإقناعنا أنه المنقذ الوحيد، بأنه المُحسن الفريد، نحن من يتحتم علينا إيقافه عند حده حتى لا يجوب الأرض مصدقاً نفسه، وفي النهاية فرنكشتاين لن يُعاشر الإنسان الذكي القوي الحكيم، بل سيتمسك بضعيف الشخصية والوجود ليخدره ويجبره على الانسياق خلفه بقيود، فمن يقع في شر أعماله هو الذي لم يفلح في اختيار أصحابه وأعوانه…!