نداء دبي للعربي : اقرأ / طاهر العدوان

نداء دبي للعربي : اقرأ
في احصائية سابقة لليونيسكو عن نسبة القراءة بين شعوب العالم جاء ان الشخص الواحد في اوروبا يقرأ ٣٥ كتابا في العام . وفي اسرائيل ٤٠ كتابا ، وفي السنغال ٤ كتب ،اما في الدول العربية ومنها مصر فكتاب واحد سنويا لكل ٨٠ شخص . فكل عربي يقرأ ما معدله ٤ صفحات في العام اذا كان عدد صفحات الكتاب ٣٠٠ ، اي ان كل ٣٠٠ الف يقرؤون كتابا واحدا . وفي احصائية اخرى لليونيسكو ان الانسان الغربي يقرأ ٣٦ ساعة في السنة مقابل ٦ دقائق للإنسان العربي . وكل هذا عن القراءة اما عن انتاج المعرفة اي اصدار الكتب الجديدة في مختلف الحقول فكل ما تصدره دور النشر في العالم العربي يصل الى نسبة محزنة اذا ما قورنت بما يصدر في اي دولة اوروبية . فهناك كتاب يصدر لكل ١٢ الف عربي بينما يصدر كتاب لكل ٥٠٠بريطاني اي ان معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز ٤٪‏ منه في بريطانيا .

وعن الترجمة فان ما يترجم بالعالم العربي يصل الى ٥ بالمئة من ما يترجم في اليونان ، اما ما تترجمه دور النشر في اسبانيا سنويا فيصل الى ١٠ الاف كتاب بينما يترجم العالم العربي في السنة ٣٣٠ كتاباً .

هذه الإحصائيات تبين القيمة الكبرى (لمبادرة اقرأ ) التي أطلقها حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد في الربع الأخير من العام الماضي من اجل تشجيع القراءة في العالم العربي من خلال مسابقة قراءة ٥٠ مليون كتاب في عام ٢٠١٦ من قبل مليون طالب من الذين يرغبون في دخول المسابقة من طلاب المدارس في الدول العربية ، وهدف المسابقة كما اعلن الشيخ محمد بن راشد هو مواجهة ” ازمة القراءة والمعرفة في العالم العربي ولأن القراءة هي مفتاح المعرفة ، والمعرفة هي مفتاح النهضة الحضارية “.

” ان تبدأ بالعمل خير من ان تلعن الظلام ” هذا ما يمكن ان توصف به مبادرة حاكم دبي لمواجهة حالة تشهد فيها الامة استقالة العقل العربي في ظل مناخات عميقة من الاستبداد والجهل والديكتاتورية وقمع حرية العقل والتفكير . لقد مر الانسان العربي في مراحل كانت فيها القراءة مزدهرة ، وذلك في بدايات عهود الاستقلال منتصف القرن الماضي بسبب التحديات التي كان يفرضها الاستعمار ، غير ان ظهور الديكتاتوريات وانظمة القمع وغياب حرية التفكير وعدم احترام عقل الانسان اشاع الجهل وعمم حالة العزوف عن القراءة الى حد عدم إتقان استخدام اللغة العربية ، في القول والكتابة ، بين خريجي الثانوية والجامعات .

كما تراجعت المستويات الثقافية عند الوعي الفردي والجمعي الى درجة مؤسفة من الابتعاد عن المشاركة في مشاغل شعوب العالم الباحثة عن تحقيق اعلى المستويات في المساهمة بالحضارة الانسانية التي تصنع الرقي والتقدم ، وذلك بانصراف العرب الى مشاغل اخرى نرى اثارها واضحة فيما يحدث من انقسامات وحروب في المجتمعات العربية تكشف عن مستويات مرعبة من الجهل والتخلف ومن الاستبداد والقمع والإنكار . وفي وصف موقف الانسان العربي السلبي من القراءة كتب المفكر المصري احمد عبد المعطي حجازي محاولا تفسير احد اسبابه : ” حين يفتح القارئ الكتاب فلا يجد نفسه ولا يجد الحقيقة يهجر القراءة ويفقد ثقته بها ليضيع في متاهات الماضي ويصدق خرافاته لكن بتقنيات الحاضر وأدواته “.

ومن مظاهر الجهل بفوائد القراءة الاعتقاد بان هجر اللغة العربية في التعليم والثقافة باستخدام اللغة الاجنبية هو طريق الشعوب الى الحضارة وإنتاج المعرفة ، وهو مسلك سطحي وخاطئ ادى الى إفقار المعرفة بين الطلاب في المدارس والجامعات وخلق حالة من الانفصام والتيه بين الشعوب العربية فلم تجد الطريق الصحيح للحضارة فالكتاب ، كما يقول حجازي “هو عمود الثقافة ومجال ازدهار العقل وفيه تحيا اللغة وتتجدد وتزيدنا صلة بانفسنا وبالعالم المحيط بِنَا “. واضيف ، بان الشعوب لا تستطيع استيعاب العلوم والمعرفة في الميادين الحضارية المتعددة ومن ثم سلوك طريق الابداع والاختراع والتطور ان لم تبن هذه المعرفة من خلال لغتها وطرائق تفكيرها وحرية عقولها ومن هنا تبرز اهمية الترجمة في نهضة الشعوب ، فالصينيون واليابانيون لم يتعلموا اللغة الانجليزية كشرط لتقدمهم ونهضتهم العلمية الكبيرة انما نقلوا كل ما أنتجته الامم من فكر وعلم واختراع وترجموه الى لغتهم فأثروا بذلك طرائق تفكيرهم وبحوثهم .

وفي هذا المجال ، اي الترجمة ، فقد حظيت المكتبة العربية منذ عام ٢٠٠٩ بعشرات الكتب القيّمة ، المترجمة ، التي تغطي مختلف مجالات المعرفة ، وهي من اشهر ما صدر عن المكتبات الغربية منذ اكثر من نصف قرن ، ذلك بمبادرة من مؤسسة محمد بن راشد ال مكتوم وتحت إشراف المنظمة العربية للترجمة وتوزيع مركز دراسات الوحدة العربية . لقد اتاحت هذه التراجم للقراء العرب الفرصة للاطلاع على انتاج الفكر الإنساني الذي يقف وراء النهضة الغربية ، واعتقد ان هذه التراجم ساهمت في تنوير القارئ العربي وشجعت انفتاح العقول على هذا الفكر . ومثلما نجحت مبادرة الشيخ محمد بن راشد في الترجمة ، الأمل كبير ان تنجح مبادرته في تحدي القراءة بين أوساط الجيل الجديد . هذه المبادرة تطلق نداء التنوير في السماء العربية التي تشهد ظلاماً دامساً غير مسبوق حاملة الأمل بان تنجح دبي ، الناجحة حتى الإبهار في تقدمها العمراني والاقتصادي الحضاري بان تحدد للعربي بداية الطريق الصحيح لمستقبل تستبدل فيه صناديق الرصاص بصناديق الكتب وعادة القراءة .

وقد يقول قائل بان الشباب العربي يقرأون بدليل وجود عشرات الملايين من العرب المستخدمين للإنترنت والفيس بوك ( اكثر من ٤٥ مليون) والرد على ذلك ، انه اذا كان عصر الانترنت قد حقق تغييرات كبيرة على سلوك الناس المعرفي وفي نظرتهم لمصادر تلقي المعارف وذلك باهمال قراءة الكتب والصحف الورقية والاكتفاء (بثقافة ) مواقع التواصل الاجتماعي تلك التي تكشف عن ما قل وما دل بنِسَب متواضعة ، وعن ما كثر ولم يدل على شئ له علاقة بثقافة او معرفة ، فان الاعتماد على هذا التغيير فقط ، في القراءة اصبح عاملا سلبيا ، يهدد بضحالة الثقافة والمعرفة عند الأجيال ، ويعمق من حالة حرمانها من الحصول على ما يغذي العقل ويبني الفكر النافع والمطلوب للتطور والتقدم ، وهو امر باتت تشكو من اثاره المجتمعات الغربية قبل غيرها مما يفرض عليها وعلى مجتمعاتنا العربية ايضا تحديات جديدة من اجل ابتكار الوسائل وخلق القناعات عند الشباب لصرف أوقات اكثر على قراءة الكتب والابحاث من خلال المطبوعات والانترنت .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى