كلمة حق تقال

#كلمة_حق تقال
د. #هاشم_غرايبه
كان مصابا جللا ذلك الذي ألم بالأمة والأردن، بوفاة أشجع فرسان الوطن المهندس ليث الشبيلات، تغمده الله بواسع رحمته، وتقبل جهاده في الدفاع عن الدين والأمة والوطن.
دائما عند الوداع الأخير في هذه الدنيا، تستذكر مناقب الراحل، لكني لا أجد الكلمات الكافية للإحاطة بهذا المناضل الكبير، والذي يمثل شخصية المسلم أصدق تمثيل، إذ لم تغب عن ذهنه في أي وقت أنه مسؤول أمام الله عن كل لحظة من عمره يقضيها في غير مرضاته، أو أي عمل يقوم به لا يتوافق عن شرعه… ذلك هو التقوى!.
وهل يفضل الناس بعضهم بعضا بغير التقوى!؟.
لهذا كان أبو فرحان مميزا.
الميزة الأخرى هي الشجاعة في ابداء الرأي، والصلابة في الموقف، فقليلون كانوا يبارونه في الإقدام وعدم التردد عندما تكون كلمة الحق مطلوبة، وقلة نادرة ممن يعتبرون أنفسهم أقطاب الحركة الوطنية من صمدوا أمام إغراءات السلطان وسيفه، أما هو فلم يتنازل عما يؤمن به قيد أنملة، ولم يجامل على حساب مبادئه، لذلك نال العداوة من الطرفين: أذناب السلطة من جهة، وأقطاب المعارضة من الجهة الأخرى.
ولعل هذه الحالة الفريدة كان بها أبو فرحان مميزا أيضا.
يمكنني القول أنه قضى عمره – أو على الأقل بما يمكنني أن أشهد بحقه منذ عرفته قبل أربعين عاما من خلال العمل النقابي والوطني – يحاول أن يجمع شتات المعارضة الممزقة على كلمة سواء، لأجل تنفيذ ثلاثة أهداف هي: النهوض بالأمة، ورفعة الوطن، والدفاع عن حقوق المواطنين المستلبة من قبل الفاسدين.
رغم أن انتماءه العائلي ارستقراطي، إذ كان أبوه مستشارا للملك عبدالله الأول وسفيرا، فكان بإمكانه أن ينال موقعا سياسيا رفيعا، إلا أنني أعتقد أن تدينه القويم، وفهمه الإسلام بمعناه الحقيقي جعله يتخلى عن لعاعات الدنيا، فرفض اغراءات السلطة وإفساداتها، وانحاز الى ما يرضي الله، لذلك شكلت هذه المطالب الثلاثة مبادئه التي ظل يناضل من أجلها.
ولم يثنه ما تعرض له من مضايقات وصلت الى الاعتداء الجسدي، واعتقال وتلبيسه تهما هو منها براء، بل واتهامات مفبكرة حكم عليه بالإعدام إثرها، وهي ما عرفت بقضية النفير.
جرت أحداث هذه القضية في عام 1992 حينما كان ليث شبيلات نائبا في البرلمان، حيث لفقت له ولزميله النائب “قرّش” تهمة التخطيط لانقلاب، بعد تقديمهما عريضة في البرلمان تطالب باقالة رئيس الوزراء على خلفية فضيحة مالية متعلقة بشراء اسلحة عسكرية، وقدم الى محكمة عسكرية بتهمة تأسيس تنظيم مسلح وتسلم مبلغ مالي من إيران، وبعد أن انكشفت تناقضات كثيرة، قوضت التهم المزعومة ، وانكشفت المكيدة المدبرة عندما نصره الله بتراجع بعض الشهود عن شهاداتهم ضده، واعترفوا أنهم أدلوا بها بدافع الإغراء والتهديد، وخاصة الشاهد الرئيس “الشكرجي” المقيم في ألمانيا، الذي قدم أقرارا أمام مكتب محاماة دولي في ألمانيا حيث يقيم، بأنه غرر به للشهادة بحق شخص لا يعرفه، وكشف فيه تفاصيل المكيدة.
وبحسب ما رواه لنا “ليث” عندما زرناه في السجن، قال إن ذلك أوقع المسؤولين في مأزق، وخشية من أن تتحول القضية الى فضيحة دولية، فقد طلبوا منه أن يطلب العفو لإنهاء القضية، فرفض وأصر على البقاء في السجن، ولن يضيره ذلك فهي فرصة لكي يحفظ القرآن، ولم يقبل أن يخرج إلا بحكم قضائي، فبقي بضعة شهور، الى ان وجدوا الحل بعفو ملكي خاص.
لم يتغير ليث بعد هذه الحادثة، بل ازداد تشبثا بمبادئة الثلاثة الآنفة الذكر، وظل يعتبر نفسه إسلاميا مستقلا، ونأى بنفسه عن الإخوان المسلمين، لأنه يأخذ عليهم جبنهم في المواجهات مع السلطة، ويراهم لا يختلفون عن القوميين والماركسيين في مقايضة المواقف بالمنافع الشخصية.
رحمك الله يا أبا فرحان، فإن رحلت عن هذه الدنيا وفي نفسك حسرة على عدم تحقق أغلى أمانيك وهي صلاة في المسجد الأقصى وقد تحرر، لكن نهجك في الاستقلالية والثبات على المبدأ لم يمت، بل سيظل مرتبطاً بذكراك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى