كلمات تتعدى وتتحدى المسافات
سأعترف أنني أدمنت قمح البوح ، وشراب الهذيان كما كنت مدمنًا على خبز أمي وشراب أبي ..
لا أدري كيف أغادر هذا الترف الموجع أحيانًا والمفرح أحيانًا ، وإلى أين أذهب من هذا الحصار النديّ ، وكيف أصون هذا القلب الصغير ؟
في الحقيقة ؛ كنت أعلم أنني أبتعد عن الدواء إلى داءٍ ، وما كان الداءُ الا الدواء ..
أتذرع بالصبر وأفشل في تحمله .. أُعبّر بالكتابة وأفشل بنسيان ما ينتظرني ..
سأصالح نفسي لتتواطأ مع ما أشعر به ، لينيلج لعل نصًا يسافر مِنّي إليّ ..
سيزهر اللوز والدراق والمرز في حديقتنا ..
ستقوم الصفصافة لتعانق الشمس ..
ستطير الفراشات والعصافير ، وفي صدري ستُتلى سِيَرُ الأولين والآخرين ..
سأمضي حاملاً سارية الجرح ولو بقي الحزن قابعًا في حنجرتي ، ولو كثُر الشوك في طريقي ..
سأستوطن في محراب الكلمة الهادفة ، أُورث ما استطعت شهد الكلام ، ولكن قبل ذلك لابد في بعض الأحيان من المرور في أزقة الموت ودروب الألغام ودهاليز الألم كي أنطلق ثانيةً إلى ساحات الحياة ..
لكي يبهرنا شروق الشمس لابد من عتمة الليل ، ولكي ندرك عذوبة الماء الزلال لابد من الضمأ ..
أيها الصامتون المضمخون بالحزن العميق المعتق ؛ والذي تشهد عليه تجاعيد وجوهكم ..
أنتم من جعلني وغيري قادرين على سكب ذاتنا في نصوص وقصائد وأشعار ، فتخرج الدهشة تارةً كما ترون ، ويخرج الحزن تارة أخرى ..
أما وقد إكتمل قوس قزح اذن فلنصنع أفقًا جديدًا فنؤجج الحدائق والغابات والحقول أمام أعينكم وأعين المتألقين ..
يا طائر الفينيق :
حطم أغلال الرماد وفك أزرار التمرّد الأرعن .. أوقف هذا الشلال النازف واقرع أبواب الروح وأدخل إلينا الفرح والوجد والضوء ..
ما قلته وما قد يُقال .. كان محضُ بذرة .. اُلقيت في أرض بور ثم أنبتت فأخضرّت وأزهرت و تجذَرت حتى تراكمت وانفجرت حروفًا تبدو غير مترابطة وغير متجانسة ، ولكنها تقول صارخةً :
اجمعوني إن شئتم وشكلوا مني ما تشاؤون فقد أصلُح أن أكون قصيدة أو بندقية أو عشبًا أخضر أو سكينًا ..
وقد يتوافق في الأثناء بزوغ الفجر وقد نودع ونُحيل مواسم الحِداد إلى أغنيات خضراء .