كلماتٌ في #وداع #إسماعيل_هنية “أبو العبد” “4”
الثأرُ لهنية من وجهة نظرٍ فلسطينيةٍ
د. مصطفى يوسف #اللداوي
الدوحة – قطر
يعتقد الفلسطينيون في أغلبهم الأعم، أن الجمهورية الإسلامية في إيران، ستثأر من العدو الإسرائيلي لإقدامه على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في بلادها، وهو على أرضها وفي ضيافتها وفي حماية حرسها، وفي يومٍ مشهودٍ من تاريخها، وبعد ساعاتٍ قليلةٍ من استقبال مرشدها الأعلى وقائد ثورتها الإسلامية له، واجتماع رئيس الجمهورية المنتخب به، واحتفائه به وتأكيده موقف بلاده الأصيل معه، وتجواله آمناً في شوارعها، وزيارته لأحد أشهر معالمها، ولقائه بعامة الإيرانيين في أسواقها، وتجواله في برج ميلاد الأعلى والأكثر تميزاً فيها، والتقاطه الصور معهم، وسعادته بمشاركتهم والحديث معهم، والإحساس بينهم بعمق الروابط وقدم الوشائج وصدق المشاعر، والطمأنينة إلى الأمن والسلامة والأمان بينهم ومعهم وفي بلادهم وفي ضيافة حرسهم ورعاية مرشدهم وحماية فيلقهم.
لن ينام الإيرانيون عن حقهم في الثأر والانتقام، ولن يهملوا الرد، ولن يتأخروا عنه، ولن يفرطوا فيه، فالثأر والانتقام، والرد الموجع القاسي، كرامةٌ ومهابةٌ، وعزةٌ وشرفٌ، والتفريط في أيٍ منها يغري العدو على المزيد منها وأكثر، ويشجعه على العدوان والإثخان في الصفوف وانتهاك المحرمات أكثر، لذا يجب الرد عليه والانتقام منه، ورد الصاع له صاعين وأكثر، عله يتعلم ويرتدع، ويكف عن عدوانه ويرعوي، فهو لا يفهم غير لغة القوة، ولا يكف حتى يخاف، ولا يقلع عن مغامراته حتى يعلم عاقبة أمره، ولكنه ظن أنه بمنأى عن العقوبة فساء الأدب، واعتقد أن أحداً لن يستطيع المساس به أو الاقتراب منه فتمادى وظلم، وبالغ في عدوانه وبغى.
ونحن الفلسطينيين نعلم الإيرانيين ونثق فيهم، ونصدقهم في وعدهم وننتظر وفاءهم، ولا نشك في جديتهم ولا ينتابنا القلق في مصداقيتهم، وقد تهيأوا لمهمتهم واستعدوا لها، وأعلموا العالم بها، فهذا حقهم وهو شأنٌ يتعلق بكرامتهم، ولا يبدو أنهم يخشون نتائجها أو رد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول أوروبا ضدها، فردهم مشروعٌ قانوناً، وتجيزه سنن الحياة وتجارب الشعوب، فما من معتدٍ إلا واستحق العقاب، وما من مظلومٍ إلا جاز له الثأر والانتقام، وما وجد القصاص إلا لتمام العدل، ولا فرض العقاب إلا لضمان الالتزام.
ونرى أن العدو الإسرائيلي قد تهيأ وتحفز، وبدأ يتوجس ويترقب، ويتساءل وحلفاؤه من أين ستأتي الضربة وكيف سيكون الانتقام، وهل سيكون فردياً من طرفهم، أم سيكون متعدد الجبهات مع غيرهم، وهل سيكون رداً واحداً يكتفون به، أم أنه سيكون متصلاً وعملاً مستداماً يستنزفهم ويكبدهم خسائر أكبر، ويدخلهم في مأزقٍ جديدٍ ما عاشوا مثله من قبل، ولا تصوروا يوماً أن يواجهوا خطراً يشبهه، يتهددهم من عدة جبهاتٍ قريبةٍ وبعيدةٍ، لا تتردد في قصفه ولا تخشى مواجهته، ولا تخيفها تهديداته، أو يمنعها وهم تفوقه وكذبة قوته.
سيفرح الفلسطينيون ومن يحبهم بهذه الضربة إن وجهت، وسيشفى غيظ قلوبهم مقتل بعض الإسرائيليين، ودمار بيوتهم، وتعطل حياتهم، وجمود اقتصادهم، وتهديد مطارهم، وفرار مستوطنيهم، وتصدع جبهتهم، واستنزاف خزينتهم، وسيكونون أكثر فرحاً إن طال خوفهم، وتواصل القصف عليهم، ليذوقوا وبال أمرهم، ويشربوا من نفس الكأس الذي جرعونا منه، وأذاقونا المر به، ونحن إن كنا أحمل منهم وأصبر، وأصدق منهم وعلى الأرض وأثبت، فإنهم لن يستطيعوا صبراً، ولن يتحملوا عنتاً، وسيصرخون حتماً، وسيهربون بسرعةٍ، ولن يكونوا قادرين على الصمود والمواجهة، فهذه الحرب تختلف عن سابقاتها، وهؤلاء الأجناد الجدد يختلفون عمن سبقهم، فهم فعلاً يتجددون ويتجذرون، ويثبتون ويقاتلون، ويتقدمون ولا يخافون.
لكن الفلسطينيين سيكونون أكثر فرحاً وسعادة، وسيشكرون إيران وحزب الله ومحور المقاومة، إن هم استطاعوا تحت تهديد القوة، وشرعية الثأر والانتقام، وجدية الرد وسرعته، أن يدفعوا الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها، الذين يدعون كذباً أنهم لا يريدون توسعة الحرب، ويخشون من زيادة منسوب العنف والتوتر في المنطقة، إلى دفع الكيان الصهيوني بالقوة، والضغط عليه ليقبل بوقف الحرب والعدوان على الفلسطينيين عموماً وعلى قطاع غزة خصوصاً، والقبول بالصفقة الأولى التي قدمتها المقاومة الفلسطينية، دون أي تعديلاتٍ عليها، وذلك مقابل تجميد الرد المشروع.
لعل إخضاع العدو وإلزام الولايات المتحدة الأمريكية بصفقة المقاومة الأولى، التي تنص على وقف العدوان، وانسحاب الاحتلال من كل القطاع بلا استثناء، فلا بقاء له ولا وجود على الحدود، ولا على المعابر والبوابات، والإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين اعتقلوا بعد عملية طوفان الأقصى، والمصادقة على صفقة تبادل الأسرى وفق قوائم المقاومة، ودون الاعتراض على أيٍ من المعتقلين، أو محاولة الامتناع عن إدراجهم ضمن الصفقة تحت أي سببٍ أو حجةٍ، وعلى أن تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا برفع الحصار عن قطاع غزة، والمباشرة في عملية إعادة الإعمار، وضمان التزام العدو بالاتفاق وعدم العودة إلى العدوان على القطاع من جديدٍ.
ربما سيكون الفلسطينيون أكثر فرحاً ورضا بهذه النتيجة، وأكثر حاجةٍ لها، فوقف الحرب وانسحاب الاحتلال هو أولوية قصوى، وهي أولى بكثيرٍ من ضربةٍ تؤذي العدو يوماً وتدفعه بعد ذلك إلى مواصلة الحرب واستئناف القتال في غزة، ولعلها أيضاً ترضي الشهيد إسماعيل هنية الذي كان يعمل جاهداً لوقف العدوان، ورفع المعاناة عن شعبه وأهله في قطاع غزة، وهي ربما ترضي الشهيد فؤاد شكر، الذي فتح جبهة الجنوب مسانداً لغزة، وساعياً لرفع الضيم عنها ووقف العدوان عليها.
إلا يقبل العدو بهذه الصفقة ويخضع لها صاغراً، أو يكون الرد مباغتاً صاعقاً، والثأر مؤلماً موجعاً، والانتقام شاملاً، والقصف واسعاً، يفقد العدو صوابه، ويحرق قلبه ويدمي شعبه، ويجعله يندم على فعلته، ويبحث جاداً للخروج من مأزقه.