كلاسيكيات لا تنسى، دردشة عن فيلم بنات اليوم

#كلاسيكيات لا تنسى، دردشة عن #فيلم #بنات_اليوم

بقلم فراس الور
فيلم تم عرضه لأول مرة في سنة 1957 في الحادي عشر من يناير في سينما ميامي بحسب موسوعة الافلام العربية التي لدي، و هي للأستاذ محمود القاسم، حيث تحتوي على بيانات لكل الأفلام العربية التي تم انتاجها من سنة 1927 الى عام 2009، لكن مع الأسف هنالك تضارب بتاريخ الإنتاج على موسوعات الإنترنت حيث ان هنالك مراجع تذكر ان انتاجه كان سنة 1957، و هنالك من ذكر ان انتاجه كان في سنة 1956، الا انني اميل لتاريخ العرض المذكور على موسوعة الأفلام العربية حيث ان تاريخ عرض الفيلم في يناير من سنة 1957 ، و حيث انه منطقيا يوحي بأن تحضيراته من ناحية تهيئت في اضعف الإيمان النسخ النهائية للسيناريو و التصوير قد ابتدأ في عام 1956، و هذا ما يحثني على اعتماد التاريخ المذكور في الموسوعة و بالتالي أن عمليات انتاجه و تنفيذه كانت في سنة 1956،

الفيلم هو من فئة الرومنسي الغنائية بإمتياز، و هو من انتاج و اخراج مارد الأفلام الرومنسية هنري بركات، و من بطولة الراحل الكبير عبدالحليم حافظ و الراحلة الكبيرة ماجدة و الفنانة الراحلة امال فريد و الراحل الكبير احمد رمزي و الراحل الكبير سراجح منير و الفنانة كاريمان و االفنانة الراحلة فتحية شاهين و الفنانة الراحلة ثريا فخري و الطفلة نوال (فنانة راحلة)، و من الجدير بالذكر ان الفنان عبدالحليم قدم باقة من اجمل اغانيه بهذا الفيلم حيث قام بتلحينها بالكامل الموسيقار الراحل الكبير عبدالوهاب، و كتب كلماتها الشاعر الراحل الكبير حسين السيد،

الفيلم يروي قصة رومنسية حالمة تحدث بين شابين و إمرأتين، فسلوى (ماجدة) و ليلى (آمال فريد) و الطفلة نجوى (نوال) هن بنات الدكتور سليمان (سراج منير)، و هو مالك مشتشفى للولادة، و هو رجل صاحب سيرة محترمة في حياته يحاول ان يربى بناته تربية صالحة و على احترام الإستقلالية و الحرية التي يحاول منحها لهم، فنرى سلوى و هي كاتبة قصص و ابنته البكر مثال للإمرأة الموزونه و المحترمة بعكس شقيقتها ليلى فهى بالرغم من سنها غير ناضجة الفكر و طائشة و تحب السهر و اللهو، و تكون صديقتها بثينة (كريمان) المطلقة مثلها تماما تشاركها نفس فلسفتها الطائشة بالحياة، و تتعرفان ليلى و سلوى على شابين في مقتبل العمر، و لعلهما نسخة من التناقض الذي تتمتعان به، فخالد (عبدالحليم حافظ) موسيقي هادئ الطبع صاحب صوت ساحر و جميل يعمل بالتصميم الهندسي، و صديقه و شريكه بالسكن فتحي (احمد رمزي) شاب طائش شريب للخمر يهوى تعدد العلاقات مع النساء، فتحي رسام موهوب و لكن مغامراته مع الجنس الآخر غالبا مع تشوش على اي استقرار كان يجب ان يتمتع به،

هنالك بُعْد لشخصية فتحي ربما كان مساهما ايضا في عدم الإستقرار الذي كان يشعر به، فهو ابن لرجل ثري، فتشير احداث الفيلم الى هذا الأمر على لسان خالد حينما قابل سلوى في النادي، فقال لها ان والد فتحي من ذوي الأملاك و يمتلك عزبه و لكنه لا يكلم ابنه، و ربما لهذا الأمر تاثيرا سلبيا على حياته حيث لا يجد رعاية ابوية ارشادية لتجنبه طيش الشباب الذي كان يعاني منه، كما نرى تباين كبير بين الاحوال المادية لخالد و فتحي فيكون خالد فقير الحال و غالبا ما نراه يأخذ قمصان فتحي و ربطات عنق بدله في حين خروجه من المنزل، و لعل هذا التباين خلق ثراءا ادبيا و دراميا كبيرا و ساهم في ايصال رسالة الفيلم بصورة اوضح فالرزانة مقابل الطيش و اللهو مقابل العلاقة الجدية مع الجنس الآخر، و لا يختلف التباين بين سلوى و ليلى مع صديقتها بثينة كثيرا فإتزان سلوى لمع كثيرا مقابل طيش شقيقتها و خصوصا حينما حصل تفاعل مباشر بين الشخصيات،

البداية : Expositionالفيلم ابتدأ بما يسمى hook، و هذا العامل هو عبارة عن مشهد في بادئ الفيلم قد يثير فضول او يجذب انتباه المشاهد لمشاهدته، و هنا كان عودة بثينه بوقت متأخر من الليل و شجارها مع والدتها ما اضفى بعض من التشويق المبكر على الفيلم، فلوم والدتها على ما كانت تقوم به من سهر متأخر و صداقات غير تقليدية مع الرجال وجد رفض قاطع من قِبَلْ بثينه، فكانت تؤمن ان والدتها تقليدية جدا و زمنها قد انتهى و اصبحت الحياة عصرية جدا، فعن طريق سهرها و خلطتها بأصدقائها و بالرجال قد تجد من يتقدم لطلب يدها بخلاف اعراف التقاليد التي كانت ترفض هذا الإنفتاح الإجتماعي،

في حقيقة اللأمر نستطيع تتبع احداثه و قياسها على Freytag’s Pyramid لأن احداثه تأخذ المجري الهرمي التقديلي للرواية،

الاحداث التصاعدية Rising Action: فبعد الhook و بعد التعرف على شخصيات العمل من خلال المشاهد الأفتتاحية للفيلم تبدأ الأحداث بالتصاعد نحو الذروة ثم تبدأ بالإنحدار نحو الخاتمة، فنرى فتحي يراقب سلوى امام منزله في كل يوم حيث يكون منزله امام مدرسة، و لكن لا يعلم من تكون حيث يراها بالصدفة، فيراها تأتي على دراجة هوائية لِتُقِلْ بنت صغيرة الى المدرسة و بعد انتهاء الدوام الدراسي يراها ايضا تأتي لتأخذها معها، و يعجب بجمالها، و بعد الإفصاح عن مشاعره لصديقه خالد ينصحه بالنزول وقت حضورها الى المدرسة و محاولة الحديث معها بأي حجة، يحاول فتحي اللجوء لنصيحة صديقه رغم علاقته بسونيا (آيلين دياتو)، فنراه يذهب الى المدرسة و قت قدوم سلوى و يحاول مخاطبتها تارة بحجة معرفة الوقت و تارة لسؤالها عن موعد انتهاء الدوام الدراسي، و لكن لا تفلح محاولاته كثيرا،
يلتقي خالد بالصدفة بالدكتور سليمان بالنادي حيث يكون صديق للعائلة و لشقيقته، و يطلب منه تناول طعام العشاء معه، و تأتي سلوى للإنضمام اليه، فنيصدم انها السيدة التي يراقبها فتحي امام المدرسة، و يحصل بينهم تعارف جميل و يمضيان مع بعضهما وقت مسلي بممارسة نشاطات المختلفة بالنادي، و يلي هذا التعارف مقابلة بكوفي شوب النادي حيث يعلم خالد ان سلوى كاتبة و تكتب الروايات في مجلة مشهورة، و يلاحظ نظرات اللإعجاب في عينيها له و لكن يقرر اخبار صديقه فتحي عن لقاءه بسلوى كي يشجعه بالإلتقاء بها بعد ان فتح مجال التعارف بينهما لهذا الأمر، و نرى خالد و سلوى و ليلى شقيقتها برحلة لمنطقة حلوان حيث يغني خالد اغنية “كنت فين”، و نرى نظرات الحب في عينين سلوى لخالد، فابتدأ الحب حينها يتسلل الى قلبها، و يتعرف خالد ايضا بشقيقتها ليلى بهذه الظروف التي بدأت تجمعهم مع بعض، و نرى فتحي بهذه الظروف يأتي الى النادي و يعرفه خالد بسلوى، و يحاول التقرب منها و لكن ليحصل ما لم يكن بالحسبان، فيتلعثم بالكلام امامها، ويهاجم رواياتها و ينعتها بالسذاجة نظرا لاجواءها الأفلاطونية و المثالية المطلقة و الغير واقعية التي تتمتع بها،
يوبخ خالد فتحي على ما صدر منه، و يقرر الإعتذار منها، و يجتمعان لمرة ثانية في النادي ليغني خالد “يا قلبي يا خالي،” و هنا يلاحظ فتحي نظرات الإعجاب الشديدة بعينين سلوى لخالد، و نرى ايضا تعارف ليلى اكثر فأكثر بخالد، فتبدأ الأحداث بأخذ وتيرة تصاعدية اكثر من قبل، ففي هذه المشاهد المتعاقبة نرى بثنية تحاول التقرب من فتحي ايضا، و نراها تتصل به و تحاول ايقاعه بشباكها، و نرى خالد ينغمس بعض الشيئ بعلاقة مع سلوى رغم محاولته تقريب فتحي منها، لننكشف على صراع في داخل خالد تختلط به احاسيس كثيرة، و كانه في توهان بين مشاعره التي تجذبه ناحية سلوى وبين تأكده بأن صديق عمره معجب بها،
تقرران سلوى و ليلى عمل حفل كبير بمقر اقامتهم بمنطقة المعادي بمناسبة عيد ميلاد الدكتور سليمان، و يكونان خالد و فتحي ضمن المدعوين، و هنا نرى حفل بهيج جدا يختلط به خالد بليلى و فتحي بسلوى، و هنا نرى فتحي يلعب دور المتفرج الصامت اثناء غناء خالد “عقبالك يوم ميلادك،” فيلاحظ نظرات سلوى العاشقة لخالد بجنون، و نراه بمشهد المراقب طول فترة غناء خالد بالحفل، و كأنها لوحة جميلة رسمها هنري بركات تعكس آلم فتحي الداخلي بصمت و صدمته مما كان يجري من حوله بين صديق عمره و حبيبته الذي كان يتبين له رويدا رويدا استحالة الأرتباط بها، و فجأة و بقرار عشوائي نرى مشهد تختلط به الأمور عالى خالد بسبب لبس سلوى و ليلى لنفس الأثواب ، فيقترب من سلوى و يقبلها على رقبتها من الخلف ظنا منه انها ليلى و يطلب يدها، ليتضح لنا انه قبل سلوى، فتظن ان خالد فعلها اخيرا، و نرى الفرحة تتراقص من عينيها و تملأ قلبها، و لكن سرعان ما يتم اعلان خطوبة خالد على ليلى بالحفل لينكسر قلب سلوى بصورة كبيرة، فنرى نظرات الحسرة تشع من عينيها، و يلاحظ فتحي كل تلك الأمور في صمت تام،

الذروة Climax : ذروة هذا العمل بالحقيقة تتجلى هنا بهذا الصراع بين الأبطال، فيرتبط خالد بليلى، و ينكسر قلب فتحي لنراه ينغمس بصورة فورية هربا من ألم الإنكسار بعلاقة غرام سطحية مع بثينه، تعيش سلوى لحظات يعتصر بها قلبها ألما لإرتباط شقيقتها بمن تحب…فإنها الإمرأة و الليدي الراقية التي تبلع خنجر لئيم لأجل اختها و لأجل ان يعيش من تحب سعيدا مع من اختار قلبه، و يا لسخرية الأقدار، فرواياتها الرومنسية الحالمة التي نعتها فتحي بالأفلاطونية حينما قابلها لأول مرة عاشتها بكامل آلامها و أوجاعها، و عند هذه الأحداث يصل الفيلم الى قمة ذروت الصراع حينما يتصادم خالد مع فتحي، فتنكشف ما في القلوب و تنهار قدرة احتمال فتحي امام صديقه ليكشف ما في قلبه من غيرة من حب سلوى له، فالتمثيلية المثالية التي لطالما عاشها خالد لكي يفتح المجال لفتحي ليدخل بعلاقة مع سلوى تنتهي امام المواجهة، فحينها يدخل خالد على صديق عمره و يرى بثينه معه في غرفة النوم، يُصْدَمْ بما وصل اليه الحال، يوبخ فتحي على فعلته ليعترف الأخير برغبته بالهروب من الواقع المُرْ الذي يعيشه، فيقول له انه و بثينه يعيشان نفس الظروف، فهي تزوجت من رجل لا تحبه بالماضي و هو مصيره ان لا يرتبط بسلوى التي أحب، و يلفت نظره بأن سلوى متيمة به،

الأحداث التنازلية : Falling Action صَدْمَتْ خالد بليلى تجعله رويدا رويدا يراجع نفسه بالنسبة لقرار الإرتباط بها، فنراه بنفس الفترة الزمنية لمواجهته مع فتحي و اثناء الإستعداد للزواج يرى فيها الطفلة الغير ناضجة التي تتمسك بقشور الحياة، و يتأكد من تأثير بثينه السيئ عليها، فحينما ارادا اختيار اثاث المنزل و غرفة النوم و اثناء زيارتهم لمحل للاثاث تقول بثينه رأي سلبي بغرف النوم المعروضة و الجاهزة، و بأن غرف التفصيل احسن بكثير، فتؤيدها ليلى بسرعة، و في مشهد آخر تكون فيه بثينه و ليلى و خالد معا يشاهدون من النافذة سيارة كَشْف حديثة المنشأ تؤيد ليلى كلام بثينه حينما تبدي رأيها بأن شراء سيارة مثلها ضرورة، فيعارضها خالد بأن سيارته الواقفه بجانبها احسن منها، و لكن تعترض ليلى كثيرا، و حينها يرى خالد ثأثير بثينه المطلق على ليلى و يبدأ الشك بقوة بأنه اساء اختيار شريكة حياته،

تتوالى الأحداث و يقرر خالد مواجهة سلوى بمشاعره و خصوصا بعد المواجهة مع صديقه، فكلام فتحي له رغم التوتر الذي ساد بينهم جعله يرى الأمور بواقعية أكثر، فيطلب مقابلتها و يبوح لها بمكنونات قلبه، تبدي سلوى تخوفها من هذا الأمر بسبب ارتباط ليلى بخالد، و يقابل خالد ليلى و يعتذر منها عن الإستمرار بالعلاقة معها، و لكن لتشك بشقيقتها بأنها كانت تخونها معه، فتغتاظ من خطوة خالد و تقرر الإنتقام منه، فتذهب لتشكوه لوالدها و تكذب عليه بأنه حاول النيل من شرفها، فيذهب الدكتور سليمان الى خالد الى منزله و يوبخه على ما سمعه من ابنته، و لكن سرعان ما تقرر شقيقة خالد الذهاب الى الدكتور سليمان و اخباره الحقيقة،

الخاتمة denouement (resolution): يغني خالد اغنية ظلموه، و نراه حزين للما جرى معه و لظلم الدكتور سليمان و ليلى له، فهو الشاب النبيل الذي اتربط بليلى اعتقادا منه انه سيتفق معها و ليفتح الباب لصديقه فتحي ليرتبط بمن كان يحب، و هو الجنتل مان الذي حاول التفاهم مع ليلى و بناء علاقة زوجية معها، و هو من تصرف بلباقة تامة مع ليلى حينما انفصل عنها و اعرب عن خطأه معها و عن مشاعره لسلوى، و حتى حينما ظلمه الدكتور سليمان لم يتصرف بتهور مع الأمر، بل رأينا ان شقيقته انصفته حينها و رَوَتْ للدكتور ما كان يجري، فأنصفه الزمن و اجتمع مع من يحب في آخر مشاهد هذا الفيلم السينمائي، و لا ينتهي قبل ان تندم ليلى على فعلتها و ينتهي نهايته سعيدة جدا،

الحرية تعني المسؤلية، و الحب يجمع القلوب المتيمة ببعض، و الأخلاص للصداقة لا يعني ظلم انفسنا و التضحية بعواطفنا و مشاعرنا الى درجة الأنفصال عن الواقع و بناء علاقات بعيدة عن من نحب، فخالد راى التعاسة مع ليلى و تعرف على جانب منها لم يكن يراه بوضوح و هم اصدقاء، و فتحي ظُلِمَ بسبب مشاعر سلوى لخالد رغم موقفه النبيل تجاه صديقه، فهو من ايقظ صديقه من التضحية المثالية التي كان يقدمها و وجهه قلبه لمن كانت تحبه، و اعترف امام صديقه بأنه كشاب هاوٍ للنساء و للعلاقات الجنسية و لن يتمتع بأكثر من علاقة مع بثينة او مثيلة لها فكانا من نفس نوعية البشر، و تعلمت سلوى انه ربما روياتاها بتفاصيلها الافلاطونية و المثالية الموجودة بعالم الرومنسية لا تنطبق على ارض الواقع، فربما كانت تخطئ بكتمان مشاعرها امام خالد الى ان انتهى المطاف به بطلب يد شقيقتها ليلى، انه فيلم يقدم مجموعة من الشباب المعاصر في وقت انتاجه و طريقتهم بعلاج عواطفهم و احاسيسهم و يعالج تباين العلاقات الإجتماعية بنجاح تام…التقاليد مقابل الحياة الحديثة، خجل قلوب تقليدية جدا مقابل الإنفتاح الشبابي الذي يعتقد ان الحريات تستبيح له كل شيئ حتى العبث بالعلاقات الزوجية…التهور مقابل الإتزان بعلاقات الحب…لعله فيلم يخرج عن حدودية الزمن الذي تم انتاجه به ليكون مناسبا حتى لعصرنا فأنا و اشاهده تعرفت على كم كان المارد الكبير هنري بركان مقتدرا بطرح هذا الفيلم بعيدا عن قولبته بالزمن الذي عاش به ليقدمه كرواية حالمة تناسب العشاق ايٍ كان العصر الذي يعيشون به، القلوب في كل عصر و مكان و زمان لا تعرف الا دقاتها التي تدق الى الحبيب و الى من تختاره بعيدا عن اي منطق بشري،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى