” #كعاكيش”
جمال الدويري
تحدث الأستاذ الصديق رمزي الغزوي، في منشور له عن عادة بشرية فطرية، تلازم الغالبية من البشر، والمتمثلة بعدم الاستغناء عن أشيائنا، وحتى الخربة الصدئة، وغير الصالحة للاستعمال، مبررين لأنفسنا، قد نحتاج هذه، وسأصلح تلك، وحوينة ارميها، وهكذا، لنودع هذه القدائم التالفة، صندوقا هو الآخر، ليس بأحسن حالاته، تجتمع به، #مخلفات أزمان غابرة، غير ذات قيمة او فائدة.
هذه الغريزة الفطرية، تكون بالغالب، غير مؤذية لأحد، خاصة إن لم تأخذ حيزا مكانيا ضروريا لضرورات أكثر نفعا وقيمة، ولكن في المقابل، فإن هناك #صندوق “الكعاكيش” البشري، المتمثل بأصحاب دولة ومعالي وسعادة وعطوفة وسماحة ونيافة، تقاعدوا بعد خدمة طويلة، وامتيازات لا تحصى ولا تعد، وخير عميم وفير، يصحبهم بقية عمرهم، ولا خوف عليهم ولا هم يجوعون، ولكن أرذل العمر قد حل بهم وحلّوا به، وباتوا كراكيب قديمة لا نفع ولا حاجة، المفاصل، والذاكرة والتركيز والحيوية والقدرة على العطاء، والسكر والضغط، والأعصاب والعضلات وخلايا الدماغ، وحتى ربما صمامات العوادم ومخرجات الأشياء لديهم، ما عادت تعمل بجزء يسير من طاقتها، اللهم إلا للمحافظة على روح قيد جسد، وقد تسابقوا بمحض إرادتهم واعترافهم، بتوثيق هذا، لدى اللجان الصحية، بتقارير عجز، كلما ارتفعت نسبته، زاد حمل الضمان وقيمة الفائدة الشهرية، رواتبا أبدية ترهق كاهل صناديق التقاعد والضمان، وتقضم حقوق الغلابى والمحتاجين.
والأغرب من الخيال في هذا الوطن، أن تبقى هذه الكعاكيش البشرية، التي خرجت من الخدمة بشهادة رسمية، ونسبة عجز، كاملة في غالب الحالات، مستودع قطع غيار وتبديل وتلبيس طواقي، للوظيفة العامة، بل في بعض الأحيان، لتفصيل منصب او هيئة مستغلة، او لجنة وطنية، او غيرها، لديمومة الريع وسيل الامتيازات، دون أدنى اعتبار لأكداس الشباب العاطل عن العمل، واكوام المؤهلين من حملة الشهادات العلمية والكفاءات، التي تصارع البقاء على قوائم ديوان الخدمة المدنية، دون مكترث لها، أو متطلع لموتها البطيء.
ولا أدري كيف ولماذا، وبأي مبرر، يستوزر ويستمدر عاجز بشهادة عليا، وبنسبة عليا أيضا، ويلتصق بكرسيه العام، بلا أدنى مسوغ منطقي ومبرر موضوعي يقبله عقل أو إدراك؟
الكعاكيش البشرية أيها السادة، ولله في خلقه شؤون وحكمة، غير قابلة لإعادة التدوير الأبدي، ولو أراد الله سبحانه ذلك، ورأى به حكمة وضرورة، لما جعل الحياة والموت، ولما سبّب الصحة والمرض والعجز وأرذل العمر، وفقدان الحواس والذاكرة…الخ.
مشكور من قدم وأعطى، وله الحق بحياة كريمة، ولكن خروجهم من معمعة الحياة النشيطة وحجز المواقع المستدام، كما رأى الله سبحانه وأراد، ضرورة ملحة وحكمة إلهية لا بد من مراعاتها وتطبيقها، لأن عجلة التغيير والتجديد، وآلة العطاء غير المقيد، لا تتوقف، ولا يوقفها إلا معطِّل غير مدرك، وغير مبال بالمصلحة العامة وطبيعة الأشياء.
وكعاكيش عتيقه للبيييييع.