ما تفعله هيلاري كلنتون / توجان فيصل

ما تفعله هيلاري كلنتون
يبدو أن استماتة هيلاري كلنتون في الوصول لمنصب الرئاسة بدأت تهدّد فرصها في الفوز. فما استوقفنا ليس فقط ممالأتها للوبي الصهيوني، فكل المرشحين الرئاسيين يفعلون هذا في البداية لدرجة أو بأخرى كي يستجلبوا دعمًا أو يتفادوا عداء ذلك اللوبي. ولكن بعد فوزهم هم يتفاوتون في درجة انصياعهم له.

ومن سوء حظ هيلاري أنها تأتي (كمرشحة وحتى كرئيسة إن فازت) في إثر منافسها الذي فاز عليها بترشيح الحزب الديمقراطي أولًا، وفاز عليها عند وزن سياساته كرئيس بسياساتها كوزيرة خارجية، وبخاصة تلك المتعلقة بالعالم العربي ومنطقة الشرق الوسط تحديدًا، فخرجت هي من “الإدارة” وبقي هو معادًا انتخابه بأغلبية مريحة. وبابتعاده عما تمثله كلنتون في سياسات الحزب الديمقراطي، كرّس أوباما نفسه كرئيس صانع للتاريخ ببصمته الخاصة التي تمثل إنجازًا أكبر بكثير من مجرد كونه أول أمريكي أسود يصل للبيت الأبيض. ولا يجادل منصف في أنه أرسى نموذجًا يشجّع على تجاوز اللون والعرق من بعده. وبالمقابل، ما تعد به هيلاري، أو تلقي به جزافًا في هرولتها للمنصب، الأرجح أن يقزم فوزها – إن فازت – لمجرد وصول أول امرأة للرئاسة، ولكن تجربتها ستؤثر سلبًا حتمًا على “الفرص النسوية” في أمريكا. ولحينه ثبت أن ثلاث وزيرات خارجية أمريكية (آخرهن هيلاري) فشلن في تقديم أنموذج يشجّع على الدفع بامرأة لمنصب سياسي رئيس.

فمبرّرات وجود كم من أصوات الناخبات والناخبين ينتخب النساء “جنسويًا” تنحصر في أمرين: الأول، حس العدالة والمساواة للجميع في مواجهة تمييز يبنى على الجنس أو العرق أو الدين. والثاني، توقع أن يكون أداء المرأة في مواقع القرار أفضل من أداء الرجل بفعل أمومتها.. وثابت أنثروبولوجيًا أن المرأة بانية بيت، فيم الرجل صيّاد محارب مغامر. وهو ما أكدته السيدة أنديرا غاندي حين قالت إنها عندما تدخل مكتبها كل يوم تعرف إن كان هنالك خلل ما، تمامًا كما تعرف إن كان هنالك خلل حين تدخل بيتها.

فما أعلنته هيلاري كلنتون في رسالة لها منشورة، من لا أقل، هو رفضها بل وهجومها على الحملة الدولية المسماة “بي دي إس”، (التي تمثل الأحرف الأولى لكلمات: المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات – على إسرائيل لحين انسحابها من الأراضي المحتلة عام 1967)، وهي حملة قامت وتوسّعت في الغرب بخاصة، في مواجهة الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي المحتلة. والحملة تقوم على مبادئ حقوق الإنسان الدولية، بل وتسعى لتطبيق القوانين وحتى القرارات الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي. ولا تتوقف هيلاري عند رفض حركة الـ”بي دي إس” بل هي ترفض الأسس القانونية الدولية والإنسانية التي قامت عليها الحملة، بل هي ترفض حتى تقرير لجنة التحقيق الدولية التي ترأسها غولدبيرغ بشأن الحرب على غزة، مع أن غولدبيرغ يهودي صهيوني، وترفض أي دور للأمم المتحدة في فرض تلك القوانين والمبادئ على إسرائيل تحديدًا باعتبارها “ضد السامية”.. أي أن زعم السامية يجعل الزاعم فوق الإنسانية!، وهذا في حين بدأت تتعالى من داخل إسرائيل أصوات لصهاينة يرفضون النهج التدميري “للذات قبل الآخرين” لليمين الإسرائيلي المتطرّف.

مقالات ذات صلة

اللافت أن تلك الرسالة موجهة من مرشحة رئاسة أمريكية لملياردير يهودي أمريكي يدعم ذلك اليمين الصهيوني المتطرّف.. أي أنه طلب لدعم مالي مقابل التنكر لمبادئ ومواثيق حقوق الإنسان الدولية والقوانين الدولية!!.

هذا عن المساواة والحقوق الإنسانية التي أفاد منها حتمًا كلا أوباما ذي الأصول الإفريقية وهيلاري المرأة، في المنافسة الأولية، وفاز الأفضل بمعايير أخرى. والآن لن يتاح لهيلاري، التي تتنكر لكل ما يؤمل أن تجسّده المرأة في السياسة أن تغرف من بئر ألقت فيه كل أنواع الحجارة. لا بل هي وعدت بالنقيض! فعند سؤالها عن الاتفاقية النووية مع إيران والتي أيّدتها من قبل، اندفعت لإرضاء اليمين الصهيوني للحديث عن حرب نووية إن خالفت إيران شروط الاتفاق، ثم تنبّهت لما تورّطت به، لتقول إن “الخيار الحربي يجب أن لا يُغفل”.. والإنسان تكشفه زلة لسانه وليس أقواله المعدّة سلفًا. وقبل هذا كانت إسرائيل وحدها تدفع باتجاه تفجير حرب نووية في منطقتنا بظن أنها ستثبت هيمنتها على كامل المنطقة كما سبق وسيطرت أمريكا على الشرق الأقصى بعد قصف هيروشيما وناجازاكي.

ولكن الزمان والمكان اختلفا. فروسيا دخلت الشرق الأوسط الآن عسكريًا، وبوتين يده أكثر إطلاقًا في أي سلاح يرد به، من يد كلنتون. ومجرد التلويح بهكذا مغامرة أمريكية ستفقد أمريكا العديد من “أنظمتها الحليفة” في عودة لمشهد الثورات الشعبية بتأييد روسي بأوسع مما كانت عليه في ستينيات القرن الماضي. وهذا ما قد يدركه عقلاء أمريكا ويحتاطون لمن يولون أمرهم. فأوباما لم يطفئ الشرر المتبقي في المنطقة وحده، بل لأن كثرًا في أمريكا لا يريدون المزيد من مشوهي الحروب، نفسيًا أو جسديًا، في زوايا مستشفياتهم العسكرية.. ليس في زمن لا يمكن فيه إخفاء هؤلاء بمكياج هوليوودي!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى