كشف سر مدينة دبي

سواليف – كتب تاج الدين عبد الحق
سرّ دبي يكمن في حسن الإدارة، وفي القدرة على توظيف الموارد بالشكل الصحيح، وفي اقتناص الفرص واستشراف المستقبل، ومقابلته لا انتظار وصوله، وما يمكن أن يقال في هذا المجال كلام كثير والشواهد الدالة عليه عديدة ومتنوعة.
تختصر دبي علاقاتها بكل من يقصدها باحثًا عن فرصة، أو عارضًا مبادرة، بعبارة واحدة تروي من خلالها قصة النجاح التي حققتها، وما قامت به لإعطاء تجربتها نكهة خاصة ومذاقًا مختلفًا.

ويوم بدأت الدوائر الحكومية في دبي تستخدم عبارة (شركاء لا زبائن) كإطار ينظم علاقات حكومة دبي بكل الشركات والمؤسسات التي اتخذت من دبي مقرا لها، أو مركزا لنشاطاتها في الإقليم، لم يكن لهذا الشعار مدلول عملي واضح. كان البعض يظنه تعبيرا من تعبيرات وضرورات اللباقة، وشكلا من أشكال حسن الضيافة لا أكثر.

لكن الأيام ما لبثت أن كشفت أن الشعار، ليس شعرا، ولا كلاما عاطفيا مرسلا، بل ممارسة عملية، وسياسة حكومية راسخة، ونهجا ثابتا لا يتغير ولا يتبدل إلا باتجاه التحسين والتطوير.

وكان نجاح المؤسسات والشركات هو رهان دبي على نجاح التجربة ككل، وكان الأساس الذي مكنها من أن تكون الأنموذج الذي يحتذيه الآخرون.

ظهرت تجليات ذلك واضحة في حسن إدارة المرافق، وفي ازدياد أعداد المستثمرين الذين يتواترون على الإمارة، لا بحثا عن فرص عمل مباشرة، بل سعيا لبيئة أعمال محفزة، أو هربا من جحيم روتين قاتل، أو إجراءات معقدة تكبّل نشاطهم وتعيق عملهم.

دور دبي الحالي ليس منفصلا عن دورها التاريخي، واسم “الوصل” الذي عرفت به تاريخيا، ليس منقطعا عن الوظيفة التي تلعبها المدينة في العصر الحديث، فقد كانت صلة وصل بين قارات العالم القديم الثلاث، منها كانت قوافل التجارة تنطلق للهند التي كانت بوابة آسيا، وإليها تصل البضائع التي يعاد تصديرها إلى عموم المنطقة أو شرق أفريقيا، وعبرها ومن خلالها نسجت أوروبا شبكة خطوط إمدادها من الطاقة، فكانت مقرا للعديد من الشركات البترولية التي توافدت على المنطقة للتنقيب عن النفط والغاز، واستكشافه وتصديره.

اليوم دور دبي، كمركز خدمات متطور، يعوضها عن شح مواردها النفطية، وهي قادرة عبر هذا الدور على مجاراة الآخرين في تأمين موارد وعوائد تعادل، إن لم تتفوق، موارد الآخرين من النفط والغاز.

سرُّ دبي يكمن في حسن الإدارة، وفي القدرة على توظيف الموارد بالشكل الصحيح وفي اقتناص الفرص، واستشراف المستقبل، ومقابلته لا انتظار وصوله، وما يمكن أن يقال في هذا المجال كلام كثير والشواهد الدالة عليه عديدة ومتنوعه.

في الأسبوع الماضي -وعلى هامش منتدى الاعلام السنوي الذي ينظمه نادي دبي للصحافة- كان الإعلام واحدا من شواهد النجاح العديدة، بعد أن أصبحت دبي قبلة إعلامية، ومحجا سنويا يتسابق إليه آلاف الإعلاميين العرب والأجانب من كل لون ومن مختلف الأمكنة.

وقصة النجاح هذه بدأت في عام 2000 عندما أنشئت مدينة دبي للاعلام، وككل مبادرات دبي كان القرار مفاجئا، وكانت الشكوك حوله كثيرة.

في ذلك العام اتيحت لي فرصة الاقتراب من آلية إتخاذ القرار في دبي، حيث كنت أعمل في جريدة الشرق الأوسط، التي كانت أول صحيفة عربية تأخذ مكانا في المدينة الإعلامية الجديدة، وبحكم موقعي كنت من يتولى متابعة الإجراءات الإدارية اللازمة لذلك. يومها كان الوزير محمد القرقاوي واحدا من بين فريق الشباب الذي كلفه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وكان وقتها وليا للعهد، بمتابعه سلسلة من المبادرات التي غيرت وجه الحياة في دبي، ووضعتها على أعتاب عصر جديد.

كان العنوان العريض لهذا العصر هو تسويق دبي كمركز أعمال عالمي متعدد الاهتمامات والنشاطات. وتحت هذا العنوان العريض فوّض الشيخ محمد مساعديه بكل الصلاحيات ووفر لهم كل الإمكانيات التي يحتاجونها لتحقيق هذا الهدف.

وأذكر أنني قابلت الوزير القرقاوي، وأنا أحمل بعض الاستفسارات والتساؤلات حول طبيعة التسهيلات التي يمكن أن توفرها المدينة الجديدة. كانت إجابته مختصرة ومباشرة “أنتم شركاء لا زبائن ونجاحكم هو نجاحنا، وما تجدونه ضروريا من الناحية اللوجستية، أو التشريعية سنعمل على توفيره لكم دون تردد”، وقد كان.

عندما وضعنا اسم “الشرق الأوسط” على المبنى الثاني من المباني الثلاثة الأولى، التي كانت نواة المدينة الإعلامية، لم تكن شبكة سي إن إن ولا وكالة رويترز قد انتقلتا إلى المدينة بعد، إلا انه مع نهاية السنة الأولى كانت قائمة الانتظار مليئة بآلاف الأسماء الذين ضاقت بهم المدينة رغم اتساع مساحتها وازدياد مبانيها، لتتحول دبي في غضون سنوات قليلة، إلى واحة إعلامية يعيش فيها آلاف الإعلاميين العرب والأجانب كسفراء دون أوراق اعتماد، وفوق العادة، لمدينة وفرت لهم كل ما يحتاجونه لأداء رسالة مهنية ناضجة، بعيدا عن ضغوط السياسة وهربا من قلة الحيلة وضعف الإمكانيات.
إرم نيوز

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى