سواليف
قال كاتب إسرائيلي إن “هذه الأيام من شهر تموز تشهد مرور عشرين عاما من محادثات كامب ديفيد الفاشلة بين إسرائيل والفلسطينيين، حيث قضى ممثلو الجانبين أياما وأسابيع طويلة من العزلة في المجمع الأمريكي، أملا في دفع عملية السلام قدما بينهما، لكن المباحثات جاءت فاشلة، رغم أنها شهدت توافقا حول الخطوط العريضة لأي مبادرة سياسية باتت تعرض حتى الآن”.
وأضاف إيلي أشكنازي في تحقيقه الذي نشره موقع “ويللا” الإخباري، وترجمته “عربي21” أنه “قبل عشرين عاما، بدأ مؤتمر سلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بقيادة إيهود باراك وياسر عرفات بوساطة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون”.
ليالي دون نوم
وينقل عن يسرائيل حسون، نائب رئيس جهاز الأمن العام وعضو الفريق الإسرائيلي الذي ناقش قضية القدس في المحادثات، أننا “لم ننم ليلة واحدة أكثر من ساعتين، كنا مجموعة صغيرة تتكون من يوسي جينوسار وأمنون ليبكين شاحاك وأنا من الوفد الإسرائيلي، وربطتنا علاقة حميمة للغاية مع أعضاء الوفد الفلسطيني، جلسنا وتحدثنا كل ليلة لساعات طويلة عبر محادثات غير رسمية”.
وأشار إلى أن “المجموعة الصغيرة تتفرق الساعة الخامسة صباحا لغفوة قصيرة لمدة ساعتين، قبل يوم آخر من المداولات الشاقة، على أمل فك العلاقات التي أصبحت متشابكة على مدى عقود بين إسرائيل والفلسطينيين، نشأ هناك اتصال بيننا، وتحدثنا عن كل شيء: من الأمور الشخصية إلى الأسئلة الكبيرة في القمة، أتذكر تلك الليالي الطويلة التي أسفرت في نهاية المطاف عن إحساس عميق بالإحباط”.
وأوضح أن “المفاوضين الفلسطينيين شرحوا لنا صعوباتهم، فأدركت أن الوضع الذي نحن فيه سيسفر عن تفويت فرصة تاريخية، لأسباب لا نهاية لها، فهمنا أن الفشل ليس ضروريا، ولكن لا يمكن تجاوز القوى التي قادت المباحثات إليه، عندما أدركنا أن هذا هو الاتجاه، تسبب في ظهور حالات على المستوى الشخصي، حتى إنه على الجانب الفلسطيني سادت أجواء من البكاء، البكاء حقا”.
وأكد أنه “بعد أسبوعين انتهت المباحثات باتفاقيات معينة، دون اتفاق شامل كما تأملوا في البداية، كانت أزمة الثقة عميقة، ووجه الزعيمان باراك وعرفات الاتهامات أحدهما للآخر، واستمرا في الاجتماع في محاولة لاستخراج “العربة من الطين”، دون جدوى، في أكتوبر (تشرين الأول) 2000، وقع الانفجار الكبير وأعمال عنف بعد اقتحام زعيم المعارضة آنذاك، أرييل شارون الحرم القدسي، ثم الانتفاضة، والمزيد من الأحداث الدموية”.
محاولات خرقاء
عاد حسون لنفس الصورة التي أصبحت دائما أقوى ذاكرة بصرية في مباحثات كامب ديفيد، محاولة باراك وعرفات الخرقاء لإظهار الاحترام أحدهما للآخر، وإعطاء حق الطريق، بإلحاح متبادل، عند مدخل غرفة طعام كامب ديفيد، بيل كلينتون، رئيس الولايات المتحدة يقف مبتسما، وربما محرجا، وربما عاجزا.
يقول المفاوض الإسرائيلي عن هذه الصورة؛ إنه “كان هناك بابان كبيران يفتحان، ويمكن للزعيمين الدخول جنبا إلى جنب، لكن المسألة كانت رمزية للغاية، أشبه بوضع كوبين من القهوة على الطاولة، وشخصان يتجادلان للحصول على ماء القهوة!”.
غلعاد شير الذي أدى دورا رئيسيا في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في ذلك الوقت، يوافق على عدم بناء الثقة بين باراك وعرفات، ويقول إنهما “جلسا قليلا من الوقت أحدهما أمام الآخر، في كامب ديفيد، لكن الغالبية العظمى من المحادثات كانت بين فرق كلينتون-باراك، وكلينتون-عرفات، ونادرا ما جلس كلينتون وباراك وعرفات معا في غرفة مغلقة، وقد أشرنا لهذا الفشل للأمريكيين، بمن فيهم كلينتون”.
وأضاف أنه “بعد ثمانية أيام من بدء المباحثات، اندلعت إحدى أعمق الأزمات حول مسألة القدس، ناقشوها بعمق، وبدا واضحا أنها أكثر العناصر تفجرا في المفاوضات المعقدة، ووصلت حد الانفجار، وفي الوقت نفسه كان كلينتون على وشك المغادرة لحضور مؤتمر الدول الصناعية الثماني المنعقد في اليابان، لكن الشعور السائد كان أننا مشهد لحرق الفرصة الضائعة”.
ويكشف أن “وزير الخارجية شلومو بن عامي أبلغ باراك أن المشكلة ليست في المواقف، بل في المسافة بين الجانبين، عرفات ليس زعيم شعب فقط، لكنه في الواقع يتوق بشدة للكرامة، ويشعر أنك تتوقع عدم احترامه، والمرونة تعتمد على الاحترام، لكن علاقتهما وصلت إلى مستوى محرج، وفي مرة جلس الاثنان على جانبي مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية في غرفة الطعام، وطوال المساء لم يتبادلا كلمة واحدة”.
قنوات سرية
وأوضح أن “كلينتون اقترح أن ينتخب كل جانب ممثلين يجتمعان سرا في ماراثون تفاوضي لصياغة سلسلة من الاتفاقات لإحداث صدع في المحادثات العشوائية، أرسل باراك شلومو بن عامي وغلعاد شير، وبعث عرفات محمد دحلان وصائب عريقات، وكانت قناة سرية لم يعرفها معظم أعضاء الوفود، أغلق علينا الأبواب في الليل من أمن المارينز في الخارج، وقضينا ساعات طويلة هناك، مرات قليلة من الصراخ في تلك الليلة”.
وأشار إلى أنه “في الرابعة صباحا، تمكنت المجموعة الصغيرة من تضييق الفجوات وصياغة مقترحات بشأن عدة قضايا، لكن الاختراق الذي طال انتظاره لم يحدث، في الثانية ظهرا أفادوا بخيبة أمل كلينتون لعدم وجود صفقة شاملة، انتهى المؤتمر بعد أسبوعين، وبقيت الذاكرة تحمل فشلا كاملا رغم إحراز تقدم في العديد من القضايا، لكن كلا الطرفين اختارا تسويقه للجمهور باعتباره فاشلا، ووضع المسؤولية على الجانب الآخر”.