د. #هاشم_غرايبه
في مقابلة مع الكاتبة المعروفة “غادة السمان”، تتحدث عن تجربة مؤلمة عاشتها في بريطانيا، وتكشف فيها عن زيف ادعاء الغرب باحترام حقوق الإنسان، وكذب الصورة المرسومة عنه بأنه واحة الحرية والديموقراطية.
وهذا الانطباع يخرج به كل محايد، وما وقع به كثيرون من تضليل معاكس، ماهو الا نتيجة الجهود المضنية لأغلب العلمانيين العرب (والكاتبة المذكورة هي أحدهم)، وبالطبع فما كانت حماستهم هذه إعجابا بحضارة الغرب وقيمهم التي يعرفون حقيقتها بحكم قربهم منهم، بل هي من باب الصد عن اتباع منهج الله، لاحلال منهج الغرب بديلا عنه.
وبالطبع فأنا أوافقها رأيها الذي خرجت به بعد تجربة مريرة، بل وأزيد أن التحيز والتعصب الغربي تجاه منطقتنا الإسلامية، ليس وليد سوء الفهم، ولا هو لنقص المعلومة الصحيحة، بل هو بسبب الأطماع بالسيطرة على مركز العالم القديم الموروث عبر العصور، والمتأصل بشكل العلاقة العدائية التي ولدت العدوانات المتواصلة طوال التاريخ، وباتجاه واحد دوماً.
الدليل على مصداقية ما ذهبت إليه، هو أنني أتوقع أن تحظر ادارة الفيسبوك نشر هذه المقالة، فرغم أنني أتجنب ذكر العبارات المفتاحية التي ان وجدت تشطب المقالة آلياً، لكن اصبحت هذه الادارة تلجأ مؤخرا الى مساعدة من أجهزة الأنظمة العربية الأمنية في تدقيق المقالات يدويا، فهذه الأجهزة تملك مئات الألوف من العسس الذين تنحصر وظيفتهم في مراقبة ما ينشر، الأمر الذي سيكون مكلفا جدا لو اضطلعت به ادارة الفيسبوك بذاتها، لذلك فهي تستفيد من خدمات الأنظمة، مقابل أن تضم الى قائمة المحظورات ما يسيء الى هذه الأنظمة، أو يكشف دورها في حماية الكيان اللقيط.
ولما كان حظر النشر أو إغلاق الحسابات فيه خسارة للفيسبوك، فيلجأ لتحديد انتشارها، فيرفض ارسال اشعارات ممولة من الكاتب، فلا يعلم بوجود المقالة الا بضعة أفراد من المواظبين على متابعتها.
عودة الى حديث الكاتبة، فتشرح معاناتها حينما دعيت مع آخرين للتحدث على هامش معرض الكتاب في لندن، وتقول أنها لاحظت أن الحضور قليلو الثقافة بما يحدث في العالم، فكل اهتمامهم بالروايات والقصص، فأحبت ان توضح لهم ما يحدث في القطاع التزاما بدور الكاتب التوعوي، فقالت ان حركة المقاومة ليست نبتة شيطانية نبتت على هامش الحياة، كما يشيعه الإعلام، وهؤلاء لم ينزلوا من كوكب آخر، بل هم أبناء المعاناة والحصار، وما كانوا ليقوموا بعمليتهم التي يدعونها بالإرهـ-ابية لو كانوا سمح لهم بالحصول على الشروط الدنيا للحياة الطبيعية للبشر: بيت آمن ومصدر رزق غير مصادر.
استدعتها الشرطة وحققت معها: لماذا لم تذكر في حديثها الصفة الملازمة للمقاومة (ال-إرهـاب) في حديثها، كما هو الأمر المعتاد في الغرب!؟.
اعتقدت أن الأمر سخيف، ولا يستحق الدفاع عنه، فالقوانين في كل أوروبا تجيز مخالفة الحكومة في آرائها وعدم الالتزام بتقييماتها السياسية، بل يجوز انتقاد تصرف واجراءات السلطات العامة كالملك والحكومة والشرطة، ولا يُلزم المنتقد بتقديم دليل مادي على رأيه، فكيف بكيان أجنبي!؟.
لكن أصدقاءها نصحوها بأخذ الأمر بجدية، وأن توكل محاميا قديرا، فمن الممكن أن يحولوا القضية الى الاتهام بمعاداة السامية، وهذه من أقسى التهم في الغرب، إذ أن عقوبتها السجن عشر سنوات والغرامة المالية الباهظة.
في النتيجة تقول أنه بفضل المحامية، لم يتمكنوا من إثبات تلك التهمة المرعبة، وأفرج عنها، لكنها تعلمت درسا لا ينسى، وهي أن لا تثق بعد اليوم بما يشاع عن قيم الحضارة الغربية، وأنها لم تعد تصدق المقولات المعسولة في أن حضارة الرأسمالية تعتبر الأعلى في الإنجازات البشرية عبر التاريخ، فما زالت أطماع الامبراطوريات الغربية في الهيمنة على خيرات العالم ذاتها، منذ الإغريق والى اليوم، وما زالت القيود التي تفرضها على تصرفات وأفكار البشر هي ذاتها، ما تطور هو الأثواب المزركشة التي ألبستها هذه الحضارة المتوحشة، والمسميات الأنيقة التي أطلقت على أفعالها الشنيعة.
وأخيرا، وتحسبا من المحاصرة المتوقعة لنشر هذه المقالة وغيرها، أرجو من المتابعين الكرام الذين اعتادوا وصول الإشعار الإعلاني بصدور المقالة، عدم الانتظار، فالحصار يكون بمنع وصول الاشعارات الا لعدد ضئيل، ومن أراد مطالعتها فبإمكانه الدخول من رابط الصفحة وليس من رابط المقال فقط. فأنا أكتب كل يوم مقالة جديدة (ما عدا الجمعه).