
د. #هاشم_غرايبه
شهد القرن المنصرم، وهي فترة ظهور النظام العربي الجديد (أنظمة سايكس – بيكو) أوسع حملة تزوير لتاريخ منطقتنا، سعيا وراء محو عصر النهضة العربية الاسلامية من الذاكرة.
وزيادة على تزوير الوقائع التاريخية التي قام بها مؤرخو الاستشراق، فقد قاموا بمسح شامل لكل المواقع الأثرية والتاريخية في بلاد الشام، بحجة الاستكشاف، فجعلوا كل أثر فيها ينتمي الى البيزنطيين والرومان، وكأن هذه البلاد كانت يبابا لم تشهد أي حضارة قبل احتلالها من قبلهم.
من أعجب ما حشو به العقول، وصدقه مسؤولونا فاعتمدوه، أنه لا تجد أي أثر لمكان عبادة قديم إلا اعتبروه آثار كنيسة، فهل من المعقول أن الفترة القصيرة نسبيا من التاريخ التي دخلت فيها بلادنا في النصرانية (حوالي 400 عام)، حفلت بكل هذه الآثار، فيما لا تجد من يشير الا قليلا جدا، الى معابد تعود لسبعة آلاف عام سبقتها، وشهدت تجاذبات بين الوثنية والتوحيد، ولا الى الحديثة منها نسبيا (1400 عام) التي دخلت فيها بلادنا في الاسلام.
من اتبعوا أقوال (خبراء!) الآثار الغربيين الذين ما زالوا يتولون زمام آثارنا منذ مائة عام تحت مسمى خبراء التنقيب، لم يسألوا أنفسهم السؤال المنطقي: لماذا يعتبرون أن التقدم الحضاري المعماري في بلادنا رومانيا دائما، مع أن روما نفسها لم تنشأ الا عام 753 ق. م.، فيما أن الدول القديمة وحضاراتها المتنوعة أنشأت مدنا مزدهرة في بلادنا قبل الميلاد باثني عشر قرنا!.
ان الدولة الرومانية كانت قوة عسكرية، اهتماماتها في الاحتلال وفرض الهيمنة، ونهب الشعوب المقهورة، فلم يكن من أولوياتها نشر التقدم الحضاري والمعماري في الأقطارالتي استعمرتها، بدليل الواقع المشهود لأحفادها المستعمرين الأوروبيين.
وفعليا كان الرومان يحرقون المدن التي يغزونها ويدمرونها بما فيه آثارها، وسجل التاريخ ذلك في قرطاجنة وعكا والقدس وغزة.
وهم سرقوا التراث الحضاري لتلك الأقطار، ونهبوه من ضمن ما نهبوه، وما زالت الى اليوم متاحفهم زاخرة بالكنوز الأثرية لبلادنا، تشهد على ذلك، فيما لن تجد في عواصم الدولة الإسلامية أية منهوبات من البلاد التي فتحوها.
وما زالت الأدلة التاريخية التي لم يتمكنوا من تزوير تاريخها قائمة، وما زال التاريخ معترفا بفضل معماريي بلادنا مثل المعماري “بولودور الدمشقي” الذي قام الإمبراطور الروماني “هادريان” بقتله، بعد أن تعلم منه الرومان البناء والعمارة، فعلمهم بناء الجسور والأعمدة وأقواس النصر، وكان البانثيون أحدها.
ان المخاطر ما زالت قائمة، بدليل ما يتهدد كثيرا من المواقع التي تخطط الصهيونية لجعلها مسمار جحا بهدف ضم الأردن لكيانهم اللقيط.
سألقي الضوء على واحدة من تلك الخطط الخبيثة، وهي الادعاء بأن قلعة مكاور الواقعة قرب مادبا معلم يهودي.
تعاقدت الحكومة مع (خبير) في الآثار يحمل الجنسية الهنغارية اسمه “فوروس” منذ عام 2009 ولمدة عشرين عاما (!)، وعمله ينحصر في التنقيب في هذه القلعه، التي تدعي الروايات التلمودية أنه جرى فيها قطع رأس النبي يحيى عليه السلام.
لمطابقة هذه الرواية جعلوا أن من أسسها اليهود، وأنهم كانوا يوقدون النار لتنبيه يهود القدس ان كان هنالك خطر غزو من الشرق، ولكي يصدق الناس هذا الزعم قام “فوروس” مؤخرا بنشر صورة التقطها من القدس وتظهر فيها هذه القلعة في مرتفعات مادبا، (بالطبع لم يسأله أحد ما الذي كان يفعله في الكيان اللقيط، رغم أن اسمه يوحي بيهوديته).
المدهش ما كتبته دائرة الآثار الأردنية على مدخلها بناء على ادعائه، أن جانيوس (يهوناثان) هو من بناها وللعلم جانيوس هذا هو كبير كهنة اليهود عام 103 ق.م كما تقول مصادرهم، وتكمل اللافتة القول “وجددها هيرود الكبير” وهيرود هذا هو ملك يهود الجليل عام 4 ق.م.
الحقيقة أن هذه القلعة قد بناها العرب الأنباط، بدليل أن فيها معبد نجمي لكوكب الزهرة، ولا يمكن لليهود الموحدين أن يبنوا معبدا وثنيا، وما هذا التزوير إلا لتتطابق مع الروايات التلمودية الكاذبة التي جرى تأليفها في عهد السبي البابلي.
السؤال الهام: لمذا امتدت مدة التعاقد لعام 2029؟.
الله يعلم ما الذي يدبر في ذلك التاريخ للمنطقة، خاصة وأن مؤرخي الغرب يقولون أن حادثة قطع الرأس حدثت عام 29 ميلاديه.. أي أنه سيكون قد مر عليها 2000 عام!.