كشف الحسب / د. هاشم غرايبه

كشف الحسب

في محاضرة في 1/7/2019 ألقاها في “هرتسليا” في فلسطين المحتلة، رئيس الموساد في الكيان اللقيط “يوسي كوهين”، بعض الإشارات التي تبين أحدث التغيرات في سياسات العدو، وتزيل القذى عن العيون فتتوضح الرؤية.
الإشارة الأولى: واضح تماما وصولهم الى حافة اليأس من اختراق هام في الوجدان الشعبي العربي، وتخلوا تماما عن الآمال الخادعة التي بثها فيهم “بن غوريون” بمقولته المشهورة “الكبار يموتون والصغار ينسون”.
فقد مات جيل النكبة وأغلب جيل النكسة، لكن الصغار لم ينسوا، فلم يحدث أي تقبل من المحيط العربي لهذا الجسم الدخيل، رغم كل الجهود المضنية للأنظمة العربية التطبيعية، سواء منها تلك التي أشهرت نواياها التطبيعية بمعاهدات، أو تلك التي أخفتها وابقتها كاتفاقات سرية.
الثانية: لذلك صار التوجه الى الجانب الأسهل، وهو عقد الإتفاقيات مع الأنظمة، استثمارا لرضوخها لأية مطالب أمريكية، فقد وصلت الأنظمة الى القاع، فليس هنالك أي حساب لإمكانية معارضة الإملاءات أو حتى ابداء التذمر، وليست هذه الحالة مقتصرة على الذين ربطوا اقتصادات بلادهم بمساعداتها، بل امتد الى تلك الغنية، خوفا من استبدالها.
فقد كانت تعقد الإتفاقيات مع الكيان اللقيط ابتداء من ترسيم خطوط الهدنة كعقود إذعان، تخضع للتفاوض الصوري، حفاظا على ماء وجه أنظمة.
وفي كل المراحل التالية التي كانت بهدف تثبيت أركان الكيان اللقيط، كان كل الدور ملقى على عاتق هذه الأنظمة، وكان العبء الأكبر في ذلك هو خداع جماهير الأمة بأنها تعمل في اتجاه طرد الغزاة، ثم تحول الى إقناعها بأن كل شيء بيد أمريكا التي لاقبل لهم بمواجهتها، لذلك قالوا أن لا مجال إلا لقبول ما تجود به.
الثالثة: إن العملية السلمية، هي سلسلة من المراحل التي هدفت أساسا لتصفية القضية ضمن معادلة صفرية، أي عدم تحقيق أي من المطالب العربية، بدأت بتظاهرة احتفالية في مدريد عام1991 لتغطية التخلي عن ميزة الوفد العربي المشترك، وعلى عدم وجود ممثلين لفلسطين ككيان جغرافي قائم أصلا عبر التاريخ، مما يوحي بأن النتيجة مرسومة مبكرا بحيث لا تصل الى تحقيق كيان سياسي فلسطيني، أي القصة الوهمي المسماة بحل الدولتين.
وهذا يكشف أن تآمر الأنظمة السياسية العربية (بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية) للتخلي عن مطلب تحقيق كيان سياسي فلسطيني في نهاية المطاف أمرعريق ومسبق، وليس نتيجة تفاوضية.
الرابعة: إن التطبيع أصلا هو جزء أساسي من المؤامرة، فليس هدف (العملية السلمية) تحقيق سلام في الشرق الأوسط، وتعاون بين أقطاره، بل هو مرحلة لتجاوز الرفض الشعبي أصلا لهذه العملية المبهمة، والتي كانت تجري دائما بدون محددات ولا مرتكزات، بدليل أنها لم تستند في أية مرحلة لمرجعية، سواء كانت شرعية دولية (الأمم المتحدة) أو شرعية إنسانية (مواثيق حقوق الإنسان)، بل بقيت مرهونة بالتفاوض ..أي ما تجود به نفوس المحتلين، والمعروف أنه ليس بعيدا عن الصفر.
الخامسة: وهي الأهم، أنه لأول مرة تكشف “الموساد” عن دور سياسي أنيط بها، فهي بالأصل دائرة استخبارية ذات تنظيم شديد السرية، كون جميع مهامها متعلقة بالإغتيال للشخصيات العربية التي تهدد مصالح وخطط الكيان اللقيط، ويبدو أنها أكملت كل مهامها، ولم يبق من تلك القيادات من يهدد، لذلك فالتحول الى مهمة التواصل مع الدول العربية التي لم تعلن إقامة العلاقات رسميا، بحجة ترسيخ مفهوم التعاون (الإقليمي) في وجه التهديد (الإيراني) المصطنع، يوحي أنه قد تم اختراق شخصيات سياسية واقتصادية كثيرة ومن مستوى رفيع، تم تجنيدهم منذ سنوات كعملاء للموساد، وبواسطة جهودهم الكثيرة مؤخرا تم تجاوز الحواجز (النفسية) لدى مسؤولي الدول الخليجية لتجاوز عتبة إعلان التعاون العلني، والذي ظل المانع الشرعي الذي يحرم التعاون مع من يحتل أرضا مسلمة حائلا أمام إظهاره.
هكذا تم تشكيل مبرر بديل لتبعية الأنظمة الخليجية لإملاءات الغرب أسوة بالأنظمة السباقة لذلك (مصر والأردن ومنظمة التحرير) التي هرولت مبكرا تحت عنوان اتفاقيات السلام، والتي كانت حجتها حاجتها الى مساعدات أمريكا الإقتصادية، وأما الأنظمة الخليجية فكان المبرر البديل الإصطفاف في وجه التهديد الإيراني الموهوم.
هكذا يُسقط الإنبطاحيون كل حججهم بأيديهم، فيبقى الخيار الوحيد أمام الجماهير هو أن تحرير فلسطين من الغاصبين هو تحرير للأمة من التبعية لأعدائها، والعكس صحيح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى