كشف التضليل
د. هاشم غرايبه
رغم أن #التطبيع مع #العدو المحتل لفلسطين، قد بدأ منذ أربعة عقود، لكنه لم يجد قبولا شعبيا، فظل مع الأنظمة الحاكمة فقط، ولم يجرؤ أحد من الناس على الترويج له إلا فئة بسيطة من #العملاء والانتهازيين.
لكن مع الموجة التطبيعية الثانية والتي تمثلت بأنظمة خليجية، ظهرت في وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بتلك الأنظمة، نغمات مشبوهة تروج لفكرة أن #فلسطين أرض لليهود، وأنها منحهم الله إياها، كونهم شعبه المختار.
لاشك أن الله تعالى يعلم أنه سيأتي الزمن الذي تشوه به الحقائق، فأثبت في كتابه كثيرا من الآيات التي تدحض حجج هؤلاء، منها:
1 – ابتداء نفى الله تعالى صحة ادعاء اليهود والنصارى بأنهم أبناء الله وأحباؤه، وبشكل صريح وقاطع بقوله: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ” [المائدة:18].
2 – أكرم الله نبيه إبراهيم بعد اجتيازه سلسلة امتحانات صعبة تخور دونها عزائم أشد الرجال تحملا، وذلك ليؤهله الله ليكون أمة في رجل، فكان الإكرام الأعظم بأن صلى الله عليه وباركه، وأثابه بأن جعل كل الأنبياء التالين من ذريته، لكنه حددهم في الصالحين منهم فقط: “قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ” [البقرة:124].
وهكذا قدر الله، فمن ابنه اسحق، جاء يعقوب والذي سيكون الأنبياء تترى من سلالته حتى ينتهوا بالمسيح، وبعده تنتقل النبوة الى ذرية إسماعيل الذي سيكون من ذريته سيد الأنبياء وخاتم الرسل وستكون رسالته مهيمنة على كل ما سبقها، لأنها الدين النهائي للبشر الى يوم الدين.
وهكذا كانت النبوة في صفوة مخصوصة من بني إسرائيل، فكان كل نبي يأتي من صلب نبي قبله، لكن ليس كل أبنائه أنبياء، فعشرة من ابناء يعقوب (اسرائيل) الإثني عشر كانوا من الظالمين، لذلك تكونت ذرية بني اسرائيل قلة من الصالحين وأغلبهم فاسقون، غلبت عليهم المصالح وحبّ الدنيا، فكذبوا بأنبياء الله وقتلوا بعضهم.
3 – من سنن الله الكونية أن يخرج فاسقون من أصلاب صالحين، فمنذ أن أسكن آدم وبنيه الأرض، كان أحد ابنيه من الظالمين، واستحق جهنم.
ولولا هذه السُنّة لما ظهر من بعد نوح كافرون، فمن نجوا بالفلك مؤمنون، لكننا رأينا سرعان ما ظهر من ذريتهم كافرون مكذبون برسل الله.
ولما كان عهد الله للصالحين لا ينال الظالمين، فلا عهد لله مع الذرية الظالمة، ولا يمكن أن ينالوا محبته، والله العادل بين خلقه لا يمكن أن يجيز لبني إسرائيل الاستيلاء على أرض الغير، بل على العكس، عقوبة من أنعم الله عليه بالهدى واختار عصيانه أشد: “سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” [البقرة:211].
لذا وبسبب تبديلهم النعمة التي أنعمها الله عليهم، غضب عليهم، وكان عقابه لهم شديدا: “وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ” [البقرة:91].
3 – أسطورة أرض الميعاد باطلة، فلم يكن أمر الله موسى عليه السلام أن يرحل بقومه من مصر ويسكنوا الأرض المقدسة يتضمن طرد ساكنيها وتمليكهم إياها، بل مساكنة أهلها، تماما مثلما أمر قبلاً بإسكان إسماعيل وأمه في مكة، ليختلط بنسبهم، وينجب من سلالته آخر الأنبياء، وكذلك مثلما حدث حين استقدم يوسف أهله ليسكنوا مصر، فلم يكن ذلك ليتملكوها ويطردوا أهلها منها، بل مساكنتهم الى حين.
وكذلك انتقالهم الى فلسطين، من أجل أن تتم كلمة الله، فيولد آخر الأنبياء من سلالة اسحق وهو المسيح عليهم السلام فيها، متزامنا مع انقراض هذه السلالة الصالحة.
عندها انتهى مبرر هذا التواجد في فلسطين، فسلط عليهم من أخرجهم منها: “بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا” [الإسراء:5]، وبذلك نفذ الله فيهم وعيده لهم بالتشتت في الأرض.
فهل لو كان الله تعالى منحهم فلسطين، هل كان ليخرجهم منها أذلة ويحكم عليهم بالشتات؟.
فهل خرافات التلمود أصح أم القرآن الكريم؟، وهل بعد كلام الله كلام؟.