
د. #هاشم_غرايبه
هنالك مادة فتاكة يستعملها المزارعون تسمى مبيد الأعشاب، سر فتكها أنها خبيثة، فهي لا تحرق النموات الخضرية، بل تمتصها الأوراق ولا تتأثر بها، فتنخدع وترسلها الى الجذور مع الغذاء المصنع، لكن مفعولها قاتل لها فتجف وبالتالي تموت النبتة نهائيا.
أخطر أنواع الإستعمار هو الثقافي، لأنه يستهدف الجذور الحضارية للأمة المستهدفة، وعندما يتمكن من تجفيفها بقطع حاضرها عن ماضيها، تفقد هويتها، وتصبح لقمة سائغة للتبعية الثقافية للمستعمر.
لذلك ليس مصادفة أن نجد التاريخ محتكر من قبل الغزاة والمحتلين، وبالتالي ليس مفاجئا الرعاية الأوروبية للمثقفين العرب (العلمانيين التقدميين)، الذين لعدائهم لمنهج الله، لا يأخذون معلوماتهم التاريخية من المؤرخين الاسلاميين بل من الأوروبيين.
لذلك فمصادرتاريخنا الحديث أغلبه من المستشرقين، المرتبطين عضويا مع الحركة التبشيرية الأوروبية التي انتشرت في بلادنا بعد سقوط الدولة العثمانية، متسترة بمؤسسات (خيرية) تعليمية وصحية.
من ضمن التضليل الذي جرى في تزييف تارخ منطقتنا، هو ما جرى بهدف فصل مصر عن الأمة، رغم أنها منها جغرافيا وتاريخيا، فقد جرى تعليمنا جميعا في المدارس وفق المناهج العلمانية المسمومة أن مصر فرعونية، وأن العرب “الهكسوس” غزوها واحتلوها لمدة مائة عام، ثم استعادها الفراعنة من جديد.
حقيقة الأمر أن المنطقة الممتدة من بلاد الرافدين حتى بلاد النيل بما فيها الجزيرة العربية، كانت مأهولة بالسكان منذ سكن الإنسان الأرض، ولما كانت المجتمعات رعوية زراعية، فقد ظلت الهجرات التبادلية قائمة، محكومة بعوامل المناخ من جدب وخصب، لذا لا يمكن القول بأن هذه المنطقة أو تلك ظلت في حيازة شعب ما على مدى العصور.
الهكسوس هم أقوام ظلت تقطن منطقة سيناء، وهم ليسوا غزاة، بل بسطوا نفوذهم غربا الى منطقة الدلتا وطيبه، مثلهم مثل الفراعنة الذين كانوا يقطنون النوبة، والذين بفعل فائض القوة بسطوا نفوذهم شمالا أيضا.
وبالتالي هم ليسوا غرباء عن أرض مصر، فقد كان هنالك تواصل دائم وتمازج مع قاطني أرض الجزيرة العربية والشام، بدليل أن موسى عليه السلام عندما خاف من بطش أهل المدينة التي قتل منها رجلا، لجأ الى مدين وهي تقع شرق البحر الأحمر.
إذا فهي عائلات حاكمة كانت تتصارع على الإستئثار بالسلطة، ولم يكن آنذاك في المفاهيم السياسية السائدة أي دور للشعوب، بل كانوا عبيدا وأقنانا، وعند الحروب جنودا يدافعون عن أمجاد الملك.
لذلك لا يمكن اعتبار الولاء لهذه العائلة أو تلك عنوانا فارقا للشعوب.
لو عدنا الى المصدر المؤكد الصحة للتاريخ (القرآن الكريم) لوجدنا معلومة هامة، وهي أن بلاد النيل لم تكن منقطعة عن الرسالات، ومن قبل موسى عليه السلام، وأن الضلال عنه سببه الطواغيت، حيث فرضوا أنفسهم آلهة بالتخويف والقهر، ففي قوله تعالى في سورة غافر: “وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ”، فهذا الرجل المؤمن ليس من بني إسرائيل بل من آل فرعون ذاتهم، لكنه يكتم إيمانه خوفا، كما أن امرأة فرعون التي ربت موسى عليه السلام كانت مؤمنة.
كما يقول تعالى في الآية التالية لها: “وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ . مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ”، إذاً فقد كان هنالك تواصل مع تلك الأقوام البائدة، ومعرفة بما حصل معهم وما نالهم من عقاب الله.
هكذا نكتشف كيف وجد المستعمر الغربي ضالته في المتعصبين طائفيا ضد الإسلام في مصر، مثل امبراطور المال والإعلام القبطي “سويرس”، والذي كان لقنواته الإعلامية دور مشهود في الردة الحالية الى الفرعونية، التي حدثت في مصر سياسيا، والتي وجدت سماعين لها في صفوف بعض العلمانيين المدعين بالتنويرية.
لكن، ورغم أننا حاليا لا نسمع للشعب المصري صوتا رافضا لهذه الردة، فلا يدل هذا على أن جهودهم نجحت، فالمصريون من أكثر الشعوب العربية تمسكا بالدين، ومصر أكثر قطر أنجب علماء وفقهاء، وإن نجح تحالف السلطة الفاسدة – الإعلام المستأجر – المال السحت الخليجي، خلال السنوات العجاف الماضية، إلا أننا نأمل أن يبدل الله من بعد عسر يسرا، ويتلوهن سمان بإذنه تعالى.

