كشف التزوير / د. هاشم غرايبه

كشف التزوير
انقشعت سريعا تلك الهالة المزيفة التي أحيطت بها الحضارة الغربية المعاصرة، والتي ساهم بصنعها مبشرو المحافظين الجدد الذين لبسوا مسوح أنبياء الديانة الجديدة: الصهيونية المسيحية، من أمثال فوكوياما وهتنجتون، الذين أقنعوا البسطاء بمقولاتهم حول نهاية التاريخ وأن الحضارات متصادمة وليست متكاملة، وسيادة الحضارة الغربية الحالي يعني انتصارها، لذا فهي الأمثل وهي الحالة النهائية، والتي تمثل خلاصة تطور الفكر الإنساني المثالي.
فقد صدم الرأي العام الأوروبي بصدور كتاب الإعلامي الفرنسي “جون كلود موريس” بعنوان “مهما كررت ذلك فلن أصدقه”، وطبع باللغة الإنجليزية والإسبانية الى جانب الفرنسية، فيقول الكاتب في المقدمة” “إنه لن يحاول تبرير أي شيء، بل يسعى إلى تقديم الحقائق العارية من الزيف، والقول للعالم الغربي المتحضر :إن احتلال العراق أكبر فضيحة اشترك فيها الجميع تحت مطية “الدفاع عن الديمقراطية” وتحت مطية” البحث عن أسلحة الدمار الشامل” بينما الحقيقة الصادمة هي أنها حرب تحمل الصبغة الدينية المسيحية الصهيونية الأكثر عنفا وتطرفا لا أكثر ولا أقل”.
أكثر ما يثير الدهشة ما أورده الكاتب على لسان الرئيس الفرنسي الأسبق “جاك شيراك”، في الصفحة 39 أن “بوش” كان يتصل به بين عامي 2002و2003 بمعدل مرتين في اليوم، لحثه على الإنضمام الى الحملة الأمريكية على العراق. الذي كان مهووسا بفكرة بأنه يتلقى “رسائل مشفرة من الرب” على شكل جمل مبهمة، وكان يدّعي أنه يجد تفسيرها في التوراة، وأنه خُلق لأجل تنفيذ أوامر الرب الذي قاده ـــ حسب مزاعمه الخرافية ـــ إلى السياسة، ومن ثَم إلى البيت الأبيض !! (ص 107(.
وفي ص 125 قال “بوش” له بالحرف: ” إنها حملة إيمانية مباركة يجب القيام بها، وواجب إلهي مقدس أكدت عليه نبوءات التوراة والإنجيل” !!، ويؤكد “شيراك” (بحسب الكتاب) أنه صعق عندما سمع هذا الكلام، وأن تلك المكالمة ليست مزحة، بل كان بوش جادا في كلامه، وفي خرافاته وخزعبلاته التي وصفها جاك شيراك بالسخيفة.
هكذا يشهد شاهد من أهل هذه الحضارة الزائفة على ظلم البريء، وتزوير الحقائق لتبرير التعصب الديني، لكن هل ينقذ ذلك يوسف المتهم باطلا!؟.
تتبدى الحقائق كل يوم لكن ما زال يوسف في السجنرغم ثبوت براءته، فهذا العراق والأمة كلها تحت السيف والنار.
كذب ما يدعونه بأن حضارتهم تحترم الإنسان وتقدس حقوقه، فتقدمهم وتطورهم كان قليل منه في ما ينفع الناس، ليس ذلك حبا في الخير، بل لأنه انتاج يدر ربحا لأباطرة الصناعة الذين لا تشبع بطونهم الجرباء، والمتعطشين للمزيد من القناطير المقنطرة من الذهب ويشربون من المال شرب الهيم فلا يرتوون.
لكن أغلبه في تعظيم فعالية آلات القتل والدمار، فقد كان أسلافهم الرومان ومن بعدهم الصليبيون القدامى، تدمر جيوشهم الغازية المدن بالمنجانيقات، وتحرق البيوت بسهام نارية، وتقتل سكانها عن بكرة أبيهم بالسيف..كان ذلك يستغرق وقتا وجهدا وقد يتعب المقاتلون فيستريحون برهة ويريحون ضحاياهم.
لكن تقدمهم جعل هذه الأفعال تحقق الموت الزؤام لضحايا غزواتهم بأقل جهد وأسرع وقت، فالقنابل النووية تدميرها خرافي، والكيماوية تحرق الأخضر واليابس فلا تذر خلفها حياة، أما القنابل البيولوجية فتنشر المرض المهلك لكل كائن حي موجود أو لم يولد بعد.
في الحملة الصليبية الأخيرة رغم ثبوت أن ادعاءاتهم كلها زائفة، وحججهم كلها باطلة، فقد تبين أن القميص قد شق من دبر، لكن العالم المنافق صمت عن قول الحق، فدمروا العراق ونصبوا عليه عملاء لهم فاسدين مفسدين ليديموا خرابه من أجل تحقيق أحقاد كُتّاب الخرافات التلمودية انتقاما مما فعله “نبوخذ نصر”، ثم وأدوا أحلام الشعوب العربية المقهورة، فناصروا عمالهم من حكام مستبدين عليها في الثورات العربية عام 2011 ، واستباقا لحدوث المزيد، أكملوا حملتهم بمحاولة القضاء على الإسلام تحت عنوان الحرب على الإرهاب عام 2013 ، وبمساعدة أتباعهم ممن يدعون انتماءهم للأمة، دمروا ديار الإسلام وعاثوا فيها فسادا ..وما زالوا.
هذه هي حضارتهم التي يأملون أن نترك ما أنعم الله به علينا ونتبعهم…فهل عمي البصر عن رؤية كل ذلك، أم هو عمى البصيرة، “فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى