
كسر الخشوم
لدينا ميل طبيعي موجود بهرمونات دمائنا بمستوى اعلى من مستوى كريات الدم البيضاء لكسر خشم من يعاندنا وتربينا على هذه الطبيعة ولم نحاول ان نعاندها, فعند بروز موظف يرد عليك ويفرض شخصيته نبدأ بالحركشات لكسر خشمه والحاقة بقافلة القطيع الذي ألف الهوان ولا يعرف الا القبول والطاعة ولراسة حركة حرثونية واحدة من الاعلى باتجاه الاسفل وعادة ما نمتدح كل من يخنع ويقبل بأنصاف الحلول وقد نصفه بانه براجماتي وصاحب فكر متعقل واما من يعاند في الحق ويرفع راسة بأنفة وكرامة فنكسر خشمه ونبرر ذلك احيانا كتابيا بانه غير قادر على تحمل الضغط ولا يتحمل العمل في الظروف الصعبة .
وللأمانة وحتى لا نكون ظالمين فقد ينفذ عدد من الموظفين من هذا الغربال وممن لم تكسر خشومهم ويرتقون لمناصب مرموقة ولكن فقط باتباعهم سياسات تعتمد على الابتعاد عن المشهد العام واعطاء صورة مسالمة واحيانا تظاهر بالغباء اثناء تولي المناصب الثانوية وهذا ما اسميه بمصطلح اختراق النظام من الداخل .
للموضوع هنا جذور نفسية فالبعض يغار من نجاح الناجحين ويعتبرهم تهديد قصير المدى ولا يستطيع العمل في مناخ منافس وللأسف كنت اظن بان هذا الموضوع حكرا على الكبار ولكني مؤخرا لمسته يمارس من قبل مدرس ضد طالب في الصف العاشر فبعد ان سأل المدرس الطالب : لماذا لا تكتب و رد عليه الطالب بكل صدق بانه لا يحمل قلم فبدأ الاستاذ بوضع يده على شعرة وبطريقة غير مهنيه للسخرية منه وكسر شوكته واضعاف شخصيته امام زملاؤه الاخرين بدلا من ان يحل الموقف بكلمة واحدة .
محصله سياسة كسر الخشوم هي نشوء جيل من الموظفين يمكن دعوته بمصطلح “مصرصع ” و تعني بانه بات يخاف من ظله ولا يستطيع ان يتخذ قرار بدون الرجوع للأخرين ويخاف من تحمل المسؤولية …يحسبون كل صرخة عليهم .
واما القادة الفطريين فيشجعون الاخرين ويطلبون آراؤهم الصريحة وليس ما يطربون لسماعه واما الادبيات الشائعة بان هذا المشروع هو نتيجة توجيهات فلان الذي لم يسمع به فهي ليست موجودة الا عند المهزوم من الامم الراغبة بكسر خشم رجالها وقتل اسودها حتى تستبيح الكلاب الماء و الكلأ ويستوي رجالها واشباههم في نفس القاع.
اكثر المسؤولين معزة واحتراما في نفسك هو من كنت تناقشه وتخالفه في الكثير من آراؤه للمصلحة العامة ولا يتولد لدية الهرمون العربي الفطري بالرغبة بكسر خشمك ويترك لك مساحة معارضته بدون تولد الحقد الشخصي .
وحتى نكون منصفين فهناك البعض ممن يستحق كسر كل خياشيمه لان المعارضة لها أدبياتها وهي بان لا تكون مقصودة لذاتها ولا حبا بالظهور وعليك وانت تعارض فكرة المسؤول ان لا تكون فظا غليظ القلب في عرضك فهناك للأسف من البشر ممن يستعدي كل من حوله بطريقة عرضه وحوارة وحتى ولو كان على حق فتجده يخلق الاعداء في كل خطوة يخطوها .
الاهم من كل ذلك هو ان تدرك بان حقك في المعارضة مصان فقط في مرحلة صنع القرار وعند صدوره فلم يعد لديك مجال الا المساندة والدعم والتنفيذ والالتزام الادبي بعدم اعلام الاخرين من وراء ظهر المسؤول والتباهي بمخالفتك له للطعن في صحة ما ذهب اليه والا فانت تعطيه كامل الحق مستقبلا بكسر خشمك وتقليم اظافرك وبهذه تكتسب المسؤول لتيقنه بانك لا تحاول الاصطياد في الماء العكر .
كسر الخشوم ليس حكرا على الافراد فهو سياسة حكومات ونظام دول يعتنق هذه المسلكية وهناك دول قد احتلت لعدم قدرة رجال الصف الاول بإعطاء فكر مغاير لما يرغبه المسؤول ومن اساليب كسر الخشوم الناعمة بتركه يرتع في مرابع الفساد فيفقد القدرة ادبيا على الانتقاد وان فعل ففي صالونات مغلقة ولن يظهر في خضم الازمات فأصحاب الخشوم المكسورة لا يهتمون الا بأنفسهموتحطيم مجاذيف غيرهم .
الديمقراطية الحقة هي من تسمح لك ولغيرك بالارتفاع عن مستوى الارض وبدون منه من احد وبدون حاجة لان تتهاون في سبيل البقاء.
الانظمة العربية بشكل عام تدأب على محارية ظهور الشخصيات الوطنية المتفانية في اعمالها والتي تحاول ان ترفع من نظرة القطيع الى مستوى اعلى من مستوى السكين وعادة ما يتم محاربة ذلك الشخص من قبل نفس افراد القطيع بالثورة ضده وحياكة المؤامرات وعقد المؤتمرات الاستنكارية وتكون مصحوبة بصولات من الاغاني الوطنية وباللباس الفولكلوري ونشر لمنشورات تستشهد ببعض النقاط السوداء من تاريخه وفي نهاية السهرة يأتيك من يقول لك: أأهؤلاء من تريد القتال لأجلهم ؟؟ , فان كانوا قد باعوك بدينار فخذ قنطار واستمتع بباقي عمرك في الزريبة .. تأكل وتشرب وتمارس متعة الحياة الزوجية وتوزع الكروموسومات وقد تتهيأ لك الفرصة لتصبح عنصر مهم في القطيع ومدججا او مدجنا ببعض اوسمة الوطنية الزائفة.
واما جذورها التاريخية فنلاحظها في البيت الثاني للشاعر الجاهلي زهير بن ابي سلمى :
رَأَيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ *** تُمِـتْهُ وَمَنْ تُخْطِىء يُعَمَّـرْ فَيَهْـرَمِ
وَمَنْ لَمْ يُصَـانِعْ فِي أُمُـورٍ كَثِيـرَةٍ *** يُضَـرَّسْ بِأَنْيَـابٍ وَيُوْطَأ بِمَنْسِـمِ