كتابات على جدار الموت (1)

[review]
كتابات على جدار الموت

الجدار الاول:

لا زال جالسا على شرفة مطلة على أوجاعه و في سماءه ضوء خافت من بقايا أحلامه يطير فيها أشباح تلك الوجوه التي مرت به يوما ما وغادروه …يجلس وهو ينظر لأفق كذبهم واتساعه…ومن شرفته أيضا يراقب خضار قلبه الذي يبس و حطام غابة أشجاره التي أسماها الحب و الاخلاص و السعادة و يرى ماءها كيف أصبح وحلا وكيف صار كدرا وطينا وكيف فقد طهره وعذوبته من جراء خداعهم واستفزازهم.

في شرفته المدهونة بالاسود حدادا على عالم كان يوما ما يراه جميلا ولكنه اكتشف بأن ألاف الانواع من مساحيق التجميل تغلف بشرته وتخفي خلفها بشاعته وأن ألوانه الجميله ليست إلا وهما وأن لونه الحقيقي هو الرمادي ذلك اللون المتحول المبتذل يخلطون أنفسهم بدرجاته للوصول لأطماعهم ومصالحهم فلا تميزهم حقا فالاقنعة تخفي ملامحهم ولطيف عباراتهم تخفي سوء نيتهم …في شرفته لديه كرسي هزاز كتلك التي توجد في قصص الاحلام ويجلس عليه سيد الرواية سعيدا بانتصاره لكنه هنا يجلس وحيدا مهزوما في معاركه خاسرا حتى نفسه …جسده و روحه اللتين استنزفتا بغدر أحدهم له وخداع أخر فحطموا بداخله أجمل ممالك الحب التي بنيت على مر العصور وشيعوه مع كثير من الاحياء الموتى الذين يمارسون الحياة انتظارا للموت…وفي الحقيقة أن كرسيه الخشبي لا يشبه كثيرا تلك الكراسي وما كان الوصف له بذلك إلا محاولة في التفائل لكنها تلك الحروف الشيطانية أعادتني لوصفه فكرسيه كان خشبيا قديما يملأ التراب إطاره النحاسي … لونه داكن وصوته كصراخ طفل فقد للتو والدته …و قطعه الخشبية حفرت رسمها في جسده النحيل.

مقالات ذات صلة

لم يكن ما حدث له بسوء تصرف منه او بسببه بل بسبب هذا العالم المليئ بالظلم …و لم يكن بوسعه القتال مجددا ضد أتباع الشيطان فقد استهلك طاقته جميعها حتى استطاع الوصول إلى حقيقة أن الظلم هو من يحكم العالم ولا مكان للأنقياء أو أشباههم فيه ولم يستطع حتى أن يشعل النار حوله لتحرق حصونهم ومكائدهم حتى لو أحرقته معها لانه كان أشبه بالاموات و ما يميزه عنهم أن جسده فقط خارج القبر.

في شرفته منضدة مستطيله كسرت إحدى أرجلها فاستبدلها بمجموعة كتب تحدثت عن المدينة الفاضله وعن الصداقه والسعادة والحرية والحب لتثبيتها كذلك كان يملأ الغبار حوافها أيضا
ورغم كل هذا كان يبتسم…يبتسم حقا كلما نظر إليها فعليها قطعة قماش بيضاء ومخطط لقبر جميل وضع تصميمه بنفسه … يراه أوسع من هذا العالم بأسره.

م. محمد الضمور

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى