كان في هوى حبيبته متيَّمَا / نداء أبو الرُّب

كان في هوى حبيبته متيَّمَا

لستُ من سكان مدينة عَمّان لذلك لم أكن أعرفه أبداً، تعرفتُ إليه من خلال كتابات الكثير من الأصدقاء، ومقالات كبار الصحفيين، هشام المعايطة رحمه الله صاحب مكتبة الجاحظ العريقة ومن أشهر معالم العاصمة الأردنية عمان توفي قبل أيام في حادث سير، ولكن العجيب أن مكتبته الحبيبة قبل موته بأسابيع احترقت بالكامل نتيجة حادثة أليمة وتحولت كل الكتب القيمة التاريخية القديمة والحديثة إلى رماد، حزن وقتها هشام حزناً عميقاً، كيف لا وهي بالنسبة له المحبوبة التي لا غنى عنها، رفيقة الدرب، وموطن التاريخ والحضارة والعلوم، فلحقها بعد فترة وجيزة، غيابها فتك بروحه، ورحيلها أرهق قلبه العاشق، فاختار اللحاق بها على عجل، من أجمل قصص العشق التي سمعت عنها في حياتي، أيكون الوفاء والإخلاص بهذا الشكل الاستثنائي؟ 

لم يكن هشام بائع كتب عادي، بل هو رجل مثقف، موسوعة متنقلة، قارئ نهم، لا يوافق على بيع كتب رديئة المحتوى في مكتبته، يختار مبيعاته بعناية، يقلب أوراق الكتب بتأنٍ وحذر حتى يقدم النصيحة القيمة للقراء الذين يقبلون على مكتبته، كل ما سبق يعكس حباً شديداً واهتماماً عظيماً منه بحبيبته الجليلة، لم يكن لأجلها تاجراً، بل عاشقاً متيماً يكترث لأمرها ويرغب في رؤيتها دوماً في أروع حال.

ليست القراءة وحبها مهنة للاستعراض على مواقع التواصل الاجتماعي، وأكبر دليل على هذا هشام المعايطة! عشق مكتبته الساحرة بهدوء، عاش أجمل اللحظات وأصدقها مع أوراق كتبها الدافئة بعيداً عن أعين الناس الحسودة التي قد تفسد جمالية تلك العلاقة المميزة وتمزقها، من النادر أن نسمع عن إنسان يعشق مهنته حد النخاع، يهواها بشكل عجيب ويتفانى لأجلها قدر المستطاع، عندما نحب أمراً جامداً إلى هذا الحد، سنمنحه مفاتيح القلب نفرش له طريق التضحيات بالورد، فالحب ليس محصوراً في عشق أفرادٍ فحسب، بل إنه يشمل كل ما هو حولنا كل ما اخترناه ليرافقنا في هذا الدرب…

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى