
فشلُ الباص السّريع…غباءٌ أم دهاء !!
قبل أيّام عَلِقنا أنا و والداي في أزمة سير خانقة على جسر صويلح … ساعةٌ كاملة لم تتحرك فيها سيارتنا سوى بضعة أمتار, إنها ليست المرة الأولى التي يكون فيها هذا الطريق مزدحماً بالتأكيد , لكنها المرّة الأولى التي شعرتُ فيها بأن الخروج من ذلك الطريق سيحتاج إلى معجزة !
على مدار الساعة استطعت أن أشغل نفسي بالحديث مع والداي , و الإستماع للأغاني, و تأمل مئات الوجوه حولي … لكن لم أستطع أن أتوقف عن التفكير في الإحتمالات … ماذا لو كان في إحدى هذه السيارات إمرأة على وشك أن تلد؟؟ ماذا لو تعرض أحد العالقين في هذه الزحمة لجلطة قلبية -لا سمح الله- سيموت قبل أن تصل له سيارة الإسعاف… هذا إن استطاعت الوصول! كلما طال الإنتظار كان يزداد تفكيري و قلقي من الإحتمالات المخيفة … لكن الفكرة الوحيدة التي كانت مؤكدة بالنسبة لي أن من خططوا و من يخططوا للطرق في عمّان لم يفكروا لا في الحقائق و لا في الإحتمالات !!
بعد الوصول إلى شارع الملكة رانيا – بعد جسر صويلح مباشرة – يصبح من البديهي معرفة أن سبب الأزمة يعود إلى “مشروع الباص السريع” الذي يقتطع حيزاً كبيراً من الشارع, ناهيك عن الأعمال الإنشائية المرافقة للمشروع و التي تعطّل حركة السير.
ما يسمى بمشروع “الباص السريع” و الذي بُدِء العمل به منتصف العام 2010 ما زال قيد الإنشاء؛ أخطاء في التخطيط و كلام حول إختلاسات وقفت عائقاً أمام استكمال العمل في المشروع عدة مرات. هذا المشروع يعتبر جزءاً أساسياً من نظام النقل و المرورالجديد الذي طوّرته أمانة عمان و الذي من المفترض – بحسب رؤية أمانة عمّان – أنه سيضمن “استدامة المدينة وسيساهم في تحقيق الرؤية المنشودة في مدينة منظّمة و عصريّة و قابلة للحياة” !!
و من سار في شوارع عمان في الآونة الأخيرة يدرك أنه لا وجود للنظام ولا للتخطيط ؛ مبانٍ و مجمّعات كثيرة بلا أماكن إصطفاف مخصصة, ازدحام مروري في جميع الأوقات و ليس في أوقات الذروة فقط, سائقو تاكسي مزاجيون, مواقف باصات محتشدة بالمواطنين, والباص السريع الذي كان سيساهم في التقليل من جميع تلك المشاكل أصبح سبباً في تفاقمها.
هل كان من الصعب حقاً معرفة العوائق أمام هذا المشروع قبل البدء بتنفيذه ؟؟ يخيّل لي احياناً أن أحداً لم يخطط لمشروع الباص السريع على الإطلاق, كيف لأحدٍ أن يغفل عن تعارض خط الباص السريع مع نفق الصحافة أو مع تقاطع المدينة الرياضية مثلاً !! أم أن الهمّ الأكبر كان الحصول على الملايين من الوكالة الفرنسية للإنماء و لنذهب نحن و الباص السريع إلى الجحيم ؟
و هذا يضعني أمام نظريتين اثنتين لتفسير سوء التخطيط لهذا المشروع , أوّلهما “الغباء الشديد” و ثانيهما “الدهاء الشديد” !!
و إذا كان التخطيط هو فن إرتكاب الأخطاء على الورق كما قالوا قديماً, فإن عدم التخطيط جريمة … لأن الأخطاء جميعها تُرتكَب على أرض الواقع و المواطن هو المجني عليه دائماً.