
مقال الاثنين 25-1-2015
صرير حريّة..
آخر طير حطّ بجناحية قربه كان هناك في الحقول البرية..وآخر لون للعشب علق بملابسه العسكرية كان في صباحات آذار الندية..وآخر صوت للمطر الحي كان على زينكو البيت البسيط في “ابدر”..
عشرون عاماً والقضبان تشطر الشمس القادمة في زيارته الى شطرين ، عشرون عاماً ويقسم شبك النافذة وجه القمر الصافي بمربعات من حديد، يبتسم احمد للقمر الموقوف من جديد …ويقول في سره: حتى القمر يسجن مثلي اذا ما فكّر في زيارة!!.
عشرون عاماً والأسلاك الشائكة فوق السجن لم تزهر وردة أو نبتةً أو كيس طائر او رسالة طيّرها الحنين…عشرون عاماً وأصوات السلاسل المنزلقة عن باب الزنزانة يشبه مشي الأفعى على كوم من القش ، مرعب وموحش صوت السلاسل ..عشرون عاماً وصوت القفل ما تغيّر، وواجب المفتاح ما تغيّر، عشرون عاماً..والسجّانون يحظون بإجازات أسبوعية يقضونها بين العيال ،يحضنون الأطفال ..يقشّرون البرتقال ، ويطمئنون على منسوب الكاز في “الجراكن”..واحمد الدقامسة وحيداً بين الجدران الأوجع يراقب العناكب في الزوايا..يتسلى مع نملة تبحث عن رزق في زنزانة..يضحك للوقت الطويل، للسنوات التي تتورّم خلف قضبان الاعتقال ..يبكي دموعاً كزهر اللوز..فتزهر لحيته شيباً وابتهال…
عشرون عاماً..وأم أحمد تفرك مسبحتها بعد كلّ صلاة..تدعو ان يحفظ الله أحمد..ان يفرج عنه..ان ييسّر له اولاد الحلال..تتخيّل كل حين “طرقة خفيفة للباب” وعندما تتأكد أنها لعبة الريح تعود الى الدعاء والتسبيح …تخرج أذنها من تحت الشنبر وهي تعدّ قهوتها الصباحية علها تسمع ” احمد طلع يمّه”..وقبل النوم تسوّي وسادتها قرب الباب القريب علّها تسمع “احمد طلع يُمّه”…
“عشرون عاماً وهي تحضّر زوّادة الجمعة..وتجفف بردن الثوب تلك الدمعة ..عشرون عاماً وهي تخبىء المسبحة الأنيقة “لخروج احمد” و”الدشداشة الجميلة” لخروج أحمد..والطبخة الشهية “لخروج احمد”..والضحكة العميقة “لخروج أحمد”…
عشرون عاماً وقد نسي أصحاب القضية قضيّتهم أما نحن ما نسيناها…يا أيها السجّان الأكبر ، اقترب منّا لنتذكّر…بما أن الشيء بالشيء يذكر.. في آذار…قبل عامين قتل الشهيد زعيتر على المعبر..هل لك ان تجيبنا ما اسم جانيه؟ ماذا حل فيه ؟ كم من العمر في السجن سيقضيه؟ ..يا أيها السجان الأكبر…لمَ آذار أحمد يصبح جريمة ومصيبة ..و آذار “جلعاد” قسمة ونصيباً…
أحمد الدقامسة ..صرير الحرية…
أسمعونا صرير الحرية..بأحمد..
أفرجوا عن احمد الدقامسة…
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com




