محمَّد طُمَّليه

سعود قبيلات

مرَّت يوم الخميس الماضي 13/10/2011 ذكرى رحيل صديقنا الغالي الأديب محمَّد طُمَّليه. عرفتُ محمَّد طُمَّليه في الجامعة الأردنيَّة ومِنْ خلال الحزب الشيوعيّ الأردنيّ، في النصف الثاني مِنْ سبعينيَّات القرن الماضي. ومنذ ذاك وحتَّى رحيله لم يتغيَّر تقريباً. وأنا أعني هنا الثبات بمعناه الإيجابيّ. حدثتْ تحوّلات هائلة في بلادنا ومنطقتنا وفي العالم، ولكنَّه ظلّ متمسِّكاً بمبادئه وقيمه التي كانت تنتصر للفقراء والحريَّة والديمقراطيَّة والتحرّر الوطنيّ (والقوميّ) والعدالة الاجتماعيَّة.
في سبعينيَّات القرن الماضي، كنَّا نكاد لا نفترق تقريباً، في الجامعة وفي عمَّان، وعندما كنتُ أعود إلى قريتي (مليح) في نهاية الأسبوع، لم يكن نادراً أنْ يرافقني هو وخالد مساعدة ومروان شمَّاس وآخرون. خصوصاً وأنَّه كان يعتبر مليح قريته لأنَّ أسرته كانت قد أقامت فيها في ستينيّات القرن الماضي ووُلِد بعض أشقّائه وشقيقاته فيها بينما وُلِدَ هو في قرية «أبو ترابة» في الكرك، التي كان يعتزّ بها أشدّ الاعتزاز.
ولا أزال أذكر، كيف كنّا ننطلق، معاً، صباحاً، من الغرفة التي كنتُ أسكنها في وادي الحدادة، والتي انضمّ هو وأصدقاؤنا أولئك للسكن معي فيها تاركين أسرهم المقيمة في عمَّان. كنّا نصعد مشياً، وفي الطريق نشترِي جريدة الرأي، ونشرع بتصفّحها، متحمّسين لأخبار الثورات ومتفائلين بإمكانيَّة تغيير العالم. وعندما نصل دوّار جمال عبد الناصر، نستقلّ إحدى الحافلات إلى الجامعة. وفي كثير من الأحيان لم نكن نحمل في جيوبنا سوى أجرة الطريق. ومع ذلك، كانت الحياة بالنسبة لنا بهيجة ومبشِّرة بآمال عراض.
لقد بدأ محمَّد طُمَّليه مشواره في الكتابة آنذاك، وأذكر أنَّ أول قصَّة مِنْ قصصه قرأها لي كانت عن طالب أردنيّ ذهب للدراسة في بغداد، ولكنّه لم يستطع التغلّب على حنينه لبلاده، وواظب على الاستماع بأسى لأغنية فيروز التي تقول: «رُدَّني إلى بلادي». وهذا ما حدث بالفعل معه، هو نفسه؛ إذ ترك دراسته في بغداد بعد أشهر وعاد إلى عمَّان ليدرس في الجامعة الأردنيَّة.
ولقد كرَّس محمَّد طُمَّليه وجوده فيما بعد بقوَّة في الحياة الثقافيَّة والإعلاميَّة الأردنيَّة، وصنع لنفسه هويَّة إبداعيَّة مميَّزة وشخصيَّة إنسانيَّة يصعب نسيانها. وأهمّ ما في تجربته الإبداعيَّة أصالتها الفنيَّة واستنادها إلى مخزون ثقافيّ جيّد وإلى تجربة إنسانيَّة غنيَّة، والأمر نفسه كان ينطبق على شخصيَّته التي كانت تنسجم في نمطها المتفرِّد مع خياراته الثقافيَّة والفكريَّة والفنيَّة. مِنْ هنا كانت لسخريته نكهة مختلفة لأنَّها كانت أصيلة، خالية من الافتعال والزيف، ومسنودة بعمق الثقافة وغنى التجربة، وموظَّفة لصالح قيم ومبادئ نبيلة وراسخة وحقيقيَّة.

أ.ر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى