
ضُبّوا الشناتي …
الساعة الثالثة مساءً، أنا في غرفة النوم وأسمع صوت التلفاز، يبدو أنّ هناك إعلان عن شيء ما يتعلق بتركيا، لكن ليس إعلان سياحة هذه المرة، إنه إعلان يشجّع على الهجرة إلى تركيا والاستثمار فيها، والحصول على جنسيتها. يقودني فضولي إلى غرفة الجلوس لمشاهدة بقية الإعلان، إلى هذه اللحظة قد يبدو الإعلان عادياً، لكن ما ليس عادياً أن الإعلان كان يُعرَض على قناة أردنية ! في هذه اللحظة سمعت الوطن يقول “ضُبّوا الشناتي”.
يومٌ آخر، الساعة الخامسة مساءً، ثماني ساعات من العمل، تصل سيارة الأجرة، أشعر أن السائق يعرفني وأنا شبه متأكدة أني رأيته من قبل، دقائق من الصمت يقول بعدها ” كأني وصّلتك من قبل عمو؟” …أردّ موافقة … ويُكمِل “بتذكّرك منيح.. وبتذكّر إني طلبت منك إنك تساعدي ابني يلاقي شغل” … أجيب “اه صحيح عمو .. بتذكر اني بعثتلك شوية وظائف… ايش صار بعدها … لقى ابنك اشي؟” … يجيب بحرقة “آه لقى … لقى هجرة…”. لن أغوص في تفاصيل القصة حفاظاً على خصوصية الشخوص، لكن لا عليكم سوى أن تعرفوا أن الشاب الذي هاجر كان الأول على دفعته في الجامعة، واضطر للعمل في مهن بسيطة عديدة قبل أن يفقد الأمل، حاله حال الكثيرين من شباب وشابات الوطن. في تلك الساعة سمعت الوطن يقول “ضُبّوا الشناتي”.
يومٌ آخر، الساعة السابعة مساءً، تعود أختي، التي تقوم بتدريس اللغة الألمانية، من عملها، تخبرنا عن الإقبال الكبير للممرضين/الممرضات والأطباء/الطبيبات على دراسة اللغة الألمانية. لماذا؟ لأن مزايا العمل هناك لا تقارن مع الأردن، فراتب الممرض في ألمانيا يبدأ من 2500 يورو، وراتب الطبيب يبدأ من 5000 يورو شهرياً. بعد أن يحصل الطبيب أو الممرض الأردني على الإقامة في ألمانيا يستطيع أن يلمّ شمل عائلته. هناك في ألمانيا يستطيع أطفالهم الدراسة مجاناً، بالإضافة إلى حصولهم على التأمين الصحي. ولا داعي أن نذكر أن ألمانيا تأخذ النخبة من أبنائنا وبناتنا. في هذا اليوم أيضاً سمعت الوطن يقول “ضُبّوا الشناتي”.
أيامٌ أخرى، المرصد العمالي الأردني “ما يقارب نصف العاملين في الأردن أجورهم الشهرية تبلغ 400 دينار فما دون”… وزارة العمل تعلن عن توفر وظائف للأردنيين في قطر… وزير العمل نضال البطاينة تعقيباً على مؤتمر جنيف “عقدنا العديد من الاجتماعات الثنائية مع وزراء بجنيف لتسويق الكفاءات الشابة الأردنية”… مرة أخرى أسمع الوطن يقول “ضُبّوا الشناتي”.
ينتهي اليوم، تضع رأسك على المخدة، تدرك أن الوطن قال لك مراراً “ضُب الشناتي وارحل … لا مكان لك هنا” … تدرك كم من الأحبّة قد ضَبّوا الشناتي ورحلوا، وكم منهم يضع الشناتي خلف الباب ينتظر الفرصة. تدرك أن البقاء في الوطن أصبح جهاداً وتضحية، وتسأل نفسك ” لماذا الإصرار على البقاء؟ وهل سيأتي يوم أضب فيه الشناتي وأرحل؟” وتصلّي “إلهي… قل للفاسدين أن يَضُبّوا هُم الشناتي ويرحلوا، ويتركوا لي وطني”… وتنام بعدها وتحلم في الوطن الذي تريد.
hebaakasheh07@gmail.com