كارثة قطاع المرور في الاردن

كارثة قطاع المرور في الاردن
د. م. ســفـيان الـتــل

• أكثر من 4 مليار دينار خسائر الأردن خلال 15 عاما
• 1,6 مليون حادث وأكثر من 16 ألف قتيل و375 ألف جريح خلال 22 عاما. كافية لتحرير فلسطين.
• لغز مدير معرض السيارات الذي أصبح وزيرا للنقل

في أيار عام 1974 (أي قبل 45 عاما) وقبل ان يولد وزير النقل الحالي دعيت من جمعية الطرق الأردنية والتي كان يرأسها الزميل المرحوم الدكتور المهندس روحي الشريف لإلقاء محاضرة بعنوان السلامة على الطرق. وقد حضر المحاضرة كل من رجال الدولة المعنيين بالقطاع وعلى رأسهم المرحومين المهندس فؤاد قاقيش وزير البلديات، والمرحوم الزعيم طلال الرافعي مدير الامن العام، وحشد كبير من ضباط الامن العام المعنيين بالنقل والمرور. وقد شاركوا جميعهم بالحوار في تلك المحاضرة. وقد غردت في ذلك الوقت ثلاث تغريدات، أي قبل عصر تويتر وتغريداته وقبل عصر الانترنت والفيسبوك فكانت التغريدة الأولى:
” لقد خسرنا من القتلى والجرحى على شوارعنا وطرقنا أكثر مما خسرنا في جميع حروبنا مع إسرائيل”
وأما التغريدة الثانية فكانت:
” لقد أصبح قطاع المرور يشكل حربا غير معلنة تدور رحاها في داخل مدننا وعلى امتداد شوارعنا وطرقاتنا”.
وما تزال تلك التغريدات متداولة حتى اليوم ومستعملة من معظم من يكتب حول هذا القطاع دون الإشارة الى صاحبها. وقد بنيت تلك التغريدات على عدد القتلى والجرحى الذي كان، وحسب ما توفر لي من الإحصاءات الرسمية، عام 1967فكان هناك (27) ألف مركبة قامت ب 44 ألف مخالفة تم ضبطها، (هذا عدى المخالفات التي لم يتم ضبطها) أي ان عدد المخالفات كان ضعف عدد السيارات، وتسببت في 2400 حادث، قُتل من جرائها 225 انسان وجُرح 2200 اخر. وأوردت في المحاضرة بعض التقديرات المتواضعة فقلت:
إذا ما أردنا أن نعتبر أن عدد القتلى والجرحى ثابت سنويا، بغض النظر عن الزيادة السنوية في اعداد السيارات والحوادث، يكون المجموع ما بين عامي 1967-1974 (1800) قتيل و (17000) جريح، مع استثناء ما قبل 1967، وهو عدد لم نخسره في أي حرب من حروبنا مع إسرائيل.
اقترحت في محاضرتي، والتي سأعيد نشرها قريبا لمتابعة التراجع في هذا القطاع، خطة لإصلاح قطاع المرور وإيجاد شبكة للنقل العام، والتي لم تكن متوفرة بديلا لسيارات السرفيس التي كانت وسيلة النقل العام الوحيدة في عمان.
في السنوات التي تلت ذلك، والتي سبقت عصر الباص (الصريع)، ومع الإصرار على السير في قطاع النقل والمرور في الاتجاه الخاطئ، تفاقم عدد القتلى والجرحى وتضاعف مرات ومرات مع تضاعف اعداد السيارات، والإصرار الرسمي على عدم التفكير بشبكات للنقل العام، ومحاولة التعتيم على المشكلة، وتقديم ارقام غير صحيحة للمنظمة الدولية المعنية في هذا القطاع وهي منظمة الصحة العالمية WHO
فعلى سبيل المثال قدمت الحكومة الأردنية للمنظمة ان عدد الوفيات عام 2013 كان (768 وفاة) لكن منظمة الصحة العالمية لم تعتمد هذا الرقم وقدرته ب 1913 وفاة لنفس العام، وهذا يعني بالإضافة الى عدم مصداقية الأرقام الأردنية ان ما نسبته 26,3 حالة وفاة لكل ألف مواطن وهذا الرقم يفوق المعدل العالمي والبالغ 18 وفاة لكل ألف مواطن.
لتجاوز التقديرات بحثت حديثا في الاحصائيات الرسمية وهي التقارير السنوية للحوادث المرورية في الأردن الصادرة عن مديرية الامن العام، واستطعت من خلال المرور على عشرات الجداول اعداد الجدول رقم 1 التالي، والذي يشير الى انه ما بين عامي 1997 و2018 أي خلال 22 عاما بلغ عدد حوادث السيارات أكثر من (1.586 مليون) مليون وخمسمائة وستة وثمانون ألف حادث، وبلغ عدد الوفيات (القتلى) 16089 ستة عشر ألف وتسعة وثمانون قتيلا، بينما بلغ عدد الجرحى 375178 ثلاثمائة وخمسة وسبعون ألف ومائة وثمانية وسبعون جريجا.

مقالات ذات صلة

اما اذا اردنا ان نأخذ فكرة عن تكلفة الحوادث المرورية، فقد عثرت في الجداول الرسمية على هذه التكلفة، ولكن لعدد محدود من السنوات وضمنتها في الجدول رقم 2 ، مع ملاحظة ان سنتين هما 2007 و2008 تم تقدير تكلفة الحوادث خلال كل منهما ب 258 مليون دينار وهو الرقم الوارد في إحصاءات عام 2006 ، ولتقريب رقم تكلفة الحوادث الى ذهن القارئ والمتابع سأضيف عام2004 بتقدير الحوادث ب 200مليون لنحصل على رقم تكلفة الحوادث المرورية خلال خمسة عشر عاما (2004 -2018) لتكون اكثر من 4 مليار دينار، وهذا الرقم كافي لتغير وجهة الأردن التنموي والحضاري لو انفق على المشاريع التنموية.

وعلى القارئ ان يتخيل كم عدد السيارات وملايين قطع الغيار التي يجب ان تستورد، وبذلك فان التغريدة الثالثة كانت تقول:
” ان وكلاء السيارات في الأردن هم من يسيطرون على تخطيط المدن ويمنعون قيام شبكات للنقل العام في كافة انحاء الأردن حتى يستمروا في بيع السيارات وقطع غيارها”
وبذلك وصلنا معا لحل اللغز وهو كيف يصبح مدير معرض سيارات لدى وكيل لشركات سيارات متعددة وقطع غيار وزيرا للنقل!؟
ففي بلد كل شيء فيها معروض للبيع، حتى رئاسة الوزراء، لا يُستغرب ان يشتري وكلاء السيارات مقعد وزير النقل ليكون سفيرهم في مجلس الوزراء وممثلا لمصالحهم في قطاع النقل والمرور وليمنع قيام شبكات نقل عام تحد من بيع السيارات وقطع الغيار.
اما إذا أردنا ان نحصر عدد القتلى وعدد الجرحى والخسائر في المركبات وقطع الغيار وانعكاساتها على الدخل القومي وتداعيات ذلك على المجتمع، منذ ان دخلت أوائل السيارات الى الأردن عام 1937 وحتى اليوم، ونحلل مستوى ثقافة وتصرفات جميع الشركاء في هذا القطاع كالسائق ورجل الامن وتطبيق قانون العشائر على هذا القطاع وحل تداعيات قتلى وجرحى القطاع بجاهة وفنجان قهوة، فلا شك اننا يجب ان نكون امام مشروع رسالة دكتوراة في قطاع النقل والمرور، وليس في مقال موجز كهذا، وهذا ما اُشجع الأستاذة الافاضل، من أصحاب الاختصاص، لتحفيز الطلبة المبدعين على القيام به، بصفتي منعت من التدريس في الجامعة الأردنية، منذ ان تأسست كلية الهندسة فيها في السبعينيات من القرن الماضي.
حماكم الله من حادث مروري وعدتم سالمين الى منازلكم واطفالكم.
عمان 26/11/2019

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى