كاتب بلا مقال

#كاتب بلا #مقال

#زيد_الطهراوي

انتظروا مقالته الطويلة ؛ الجموع كانت تئن ، و النفوس مصدومة، و الأموات متناثرون ، و الأحياء أصابهم الجوع ، و منهم من أصابه الجنون 

حاول أن يكتب فأحس بالجمود و الوقت يمضي و أمسك قلمه ليسيل ما في قلبه على الورق 

مقالات ذات صلة

ابتعد عن تزويق الأحداث و كتب : لم يكن في المكان أحد ، و غابوا جميعا و هبطت مكانهم جثث في كل مكان و غابوا جميعا كأنهم وهم 

فراسلته الصحيفة و قالت : كيف ننشر هذه الكلمات على أنها مقال ؟ فقال : الكاتب هو إنسان ،و لن يستطيع في هذه اللحظة الحرجة أن يكون كاتبا ، و سوف يتمادى في حقيقته كإنسان  

صدرت الصحيفة في موعدها و كان عموده ابيض كأنه الفراغ

و كتبوا تحته جملة : لم يصل المقال من مصدره

قرأها فارتاح قليلا ، و لكنَّه قال : لم يصل المقال و لم تظهر أمام العالم جثثهم راحلون راحلون ، كلهم راحلون ميتون 

راسلته الصحيفة : ننتظر منك مقالا فلا تعتذر 

قال : كيف أُخرج من أعماق الردم مقالاً ؟ كيف أغيب عن بكاء الأبناء و حرقة الآباء و الأمهات ؟ ما أراه هو جوع و تشريد و سحق شامل للبشر و كل الساكتين ظالمون 

قالت الصحيفة : و لكن هناك مقالات ترفع راية التفاؤل فقال الكاتب : كلها مقالات كاذبة ؛ غزة مدينة تحترق وحدها ، و الوقود الذي يؤجج النار هو السكوت المدهش ، و الخنجر المسموم الذي يذبح المدينة و أهلها هو إقناع البشر أن هذه المجازر هي انتصار ، فلا تخدعوا أنفسكم و لا تكذبوا الكذبة و تصدقوها ، إنَّ الصحيفة التي تنشر المقالات السعيدة هي العائق الحقيقي أمام حقن دماء الضعفاء

تغاضت الصحيفة عن الاتهامات و كأنها موافقة عليها 

و قالت : إذا لم ترسل مقالاتك ستكون مفصولا ، قال :  لا بأس فإن غزة تموت أنها تتعرض لأقسى إبادة بشرية و الكون صامت و الصحف صامته

و أخرج الكاتب الكاميرا و صوَّر الجثث التي لا تجد من يدفنها ، و الجثث التي لا تجد من يستخرجها من تحت الأنقاض ، و صوَّر رؤوساً مقطوعة متناثرة لرجال و نساء و أطفال ، و صوَّر كذلك المجاعات و الخيام و المساعدات التي يمنع الأعداء وصولها ؛ و إذا وصلت تعرَّض لها الجشعون ،

و صوَّر صوراً كثيرة عن الدمار و الموت الكثيف ، ثم وجَّه كاميرته نحو الأفق ، و صَّور القذائف التي تنهال دون رحمة و لا هيبة لأحد ، ثم جعل كاميرته تدور في المكان بحثاً عن الإرهابيين الذين يطاردهم الأعداء ؛ فلم يجد إلا الأطفال و النساء و الشيوخ ؛ مقتولين أو أحياء جوعى و معذبين و مصدومين 

و قال الكاتب للصحيفة : هذا هو المقال و لا مقال أصدق منه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى