كابُولاء وعاشُوراءْ
د.جودت سرسك
ما أشبه #نهر #النيل بنهر #كابول وضفافِه, فعلى النهرِ الأعجميّ سقطت غطرسةُ امبراطورية البوشيّين والترامب بايديّين، وعلى يَمّ النيل أخذ الطوفانُ منِ ادّعى الربوبية واستخفّ قومَه فأطاعوه وانكسرت غطرسةُ سحرَتِه وأبراجُ هامانِه في كلّ زمان، والنيلُ لا يَجِفّ والطغاة لا يكفّونَ عن ادّعاء الرُبوبية.
لقد هرب حفيد شاه شُجاع بعد أن أَتخمَ كرشَه الانجليزُ والأمريكان قبل أن يتركوه وحيداً، إذ لا يقوى على الصمود كنَبْتة إبليسَ في صحراء عاصفة، لن تنجيه البنادق والذخائر المحشوّة بالبارود البارد خالِ الكرامة والوطنية.
إن حكاية التحرر في أفغانستان رسمها ونحت في صخور جبالها الممتدة العنيدة مقاتلون أشاوسُ لهم رائحة الأرضِ وعَرَق البطولات الذي لا يروق لعربان العودِ والعنبرِ والغُترة والكندورة. ملابسهم متسخة لكنها تفوح طهراً ومسكَ شهداء، لا تروق لحاهم الكثة لعشّاق الماركات الفرنسية وأصحاب الربطات الفرنسية الفاخرة، لكنهم على نهج نبيّهم وقائدهم وسنّته التي عضَضْنا على غيرها فضَللْنا.
محاربوا حقّ انتصروا على طموحات الإمبريالية منذ فجرِ الإمبراطوريات الأولى إلى امبراطورية بوتين وبوش وبايدين، رسموا رايات نصرهم على ظهور البغال والجمال وأعلنوا ولاءهم لأرضهم وتاريخهم وهويتهم، نسجوا أحلامهم بأكفهم التي توشحت برائحة البارود كما يتوشح القمر بغمامه، تعمّموا بما تبقى من أجساد شهدائهم التي سفكت دماءهم طائرات العدوان وإرهابيو العالم المتوحش.
كانوا يرقبون الشمس من شقوق معتقلات جوانتانامو في جزيرة نائية، يتغوّطون في ملابسهم مقيّدين لا يرَوْنَ الشمس ولا يستأنسون بها، إذلالاً لهم وكسراً لإرادتهم وظنّاً من جلادهم الأمريكي أنه أسقط ثورتهم وكسر كبرياء أُسودِ كابول.
خرجوا من سجونهم قادةً منتصرين وما يزال أخوة أشرف غنيِّ البلاد يزجون أحرار بلدانهم في غياهب عمالتهم في ضفاف النيل ودجلة والبردى والأردن، هل من شفيعٍ لكم ينفعكم، ستسقطون كما ورَقِ العنب والتوتِ في خريف التحرّر ولن ينفعكم دفءُ أمريكا وروسيا وبريطانيا حين تعصف رياحُ العزةِ والانتفاضة. وستسقطون مِن على طائراتِهم حين يرحلون.
النصر لشعب أفغانستان وحضارتهم ورائحةِ خُبزِ تميسِهِم ورُزِّهم البخاري وحشائشهم التي يقتاتون عليها، النصر لعماماتهم ولحاهم وسراويلهم وبراقع نسوتهم وجدائلهنّ الشقراء.
لقد علمتنا كابولاء أن الشِعرَ تسطّره البنادق لا شعراء الدولارات ومدّعو التمدّن والنعومة والعولمة ووحدة الأديان وفكر الإبراهيمية. علّمتنا أفغانستان كما علّمتنا غزة أن الغرس الخبيث لا بدّ له من لحظة سقوط وأنّ النصرَ يأتي في عاشوراء رغم آلامِ الحُسين وبَنِيه وآل بيتِه. علّمتنا أن الاصلاح السياسي لا يكون إلا بالإرادة الحقيقية ونفض التبعيّة والانتصار للسيف والرمح.
عاشت كابول وأبطالها ونهرها وجبالها وملاليها، الذين علّمونا أن القطار السريع لا يكون إلا بعد رحيل طائرات العابرين والمتعلقين بعجلاتهم.
J_sh_s@hotmail.com