
#قيمة_الإنسان في #معادلة_النجاح_الإداري
الأستاذ #الدكتور_أمجد_الفاهوم
في عالم الأعمال، لا تبنى المؤسسات العظيمة على الجدران أو الأجهزة، بل على الإنسان الذي يحركها. حيث أن الموظفين ليسوا تكلفة تُضاف في نهاية الميزانية، بل هم رأس المال الحقيقي الذي يحدد بقاء المؤسسة وقدرتها على المنافسة. ورغم وضوح هذه الحقيقة، ما تزال بعض الشركات والمؤسسات ترى في الرواتب عبئًا لا بد من تقليصه، وكأنها توفر في الأكسجين الذي تتنفس به.
حين يُدفع للعامل أقل مما يستحق، لا يربح صاحب العمل شيئًا، بل يخسر مرتين: مرة حين يغادر الموظف بحثًا عن تقدير أفضل، ومرة حين تبقى المؤسسة عالقة في حلقة لا تنتهي من التوظيف والتدريب والتراجع في الإنتاجية. كل موظف يغادر يأخذ معه خبرةً متراكمة، وعلاقاتٍ مهنية، ومعرفةً داخلية لا تُقدّر بثمن، بينما تبدأ الشركة رحلة التعويض من الصفر، بتكاليف تفوق بكثير ما ظنته “توفيرًا”.
وعلى صاحب العمل أن يعي بأن الراتب ليس فقط أجرًا على جهدٍ مبذول، بل هو رسالة تقدير تُبنى عليها الثقة. عندما يشعر الموظف أن المؤسسة تحترم قيمته، يقدّم فوق المطلوب دون أن يُطلب منه. أما حين يُعامل كرقمٍ في كشف الرواتب، فحتى الموهوب منهم يتحول تدريجيًا إلى مجرد آلةٍ تنتظر الفرصة التالية. وفي هذه البيئات، تختفي روح الولاء لتحل محلها ثقافة الانتظار، ويصبح العمل مرحلة انتقالية لا انتماء فيها ولا حافز للبقاء.
الذكاء الإداري لا يكمن في خفض الأجور، بل في تحويلها إلى استثمارٍ استراتيجي. فالمؤسسة التي تُقدّر موظفيها ماديًا ومعنويًا تُصبح أكثر استقرارًا، وأكثر قدرة على الابتكار والمنافسة. حين يشعر العامل أنه شريك في النجاح، يتغير سلوكه من منفّذ إلى مبادر، ومن تابع إلى صانع قرار. تلك اللحظة التي يتحول فيها الراتب من عبء إلى حافز هي التي تخلق الفارق بين مؤسسة تتقدم وأخرى تتآكل بصمت.
في النهاية، ما يُبقي المؤسسة حية ليس اسمها التجاري ولا رأس مالها المالي، بل الإنسان الذي يؤمن بها ويعمل لأجلها بإخلاص. فالرواتب العادلة ليست منّة، بل عدالة تحفظ الإبداع من الهجرة، والخبرة من التسرب، والمستقبل من الضياع. وعليه، فالمؤسسات التي تفهم هذه الحقيقة تُصبح أكثر صلابة من منافسيها، لأن رأس مالها الأثمن — الإنسان — باقٍ معها بإرادته، لا بعقده فقط.
وعلينا أن نؤمن بأن المال وحده لا يصنع النجاح، لكنه حين يُمنح بعدل، يصنع انتماءً لا يُشترى.