قيادات سياسية بالية وشعارات “عنانية “وهمية

قيادات سياسية بالية وشعارات “عنانية “وهمية
عبد الفتاح طوقان

لم ينقطع الشعب الأردني يوما عن المسرحية الاقتصادية ” وا معانتاه ” التي كان بطلها بلا منازع “صاحب نظرية الحقوق المنقوصة، اصدار عام ٢٠٠١”، والذي استمر لأكثر من ثمانية وعشرين عاما وزيرا. يطلق الشعارات “العنانية” نسبة الي “عناني و نكته عجباني”.

واقصد الدكتور جواد العناني مطلق صرخة و البوم جديد ” آنا الاقدر ” ، و يقصد انه اقدر من هاني الملقي في رئاسة الوزارة لتلك المرحلة ” و ذلك في حديث متلفز أذيع بالأمس في الاردن، بينما هو المتسبب أصلا لتلك المرحلة وللاقتصاديات الفاشلة والسبب الرئيس لما وصل اليه الأردن من ٣٠ مليار دينار ديون وتجاوز ٩٦٪ من خط الاقتراض الأخطر.

من اول وزارة تموين استلمها في عام ١٩٧٩ وحتى اخر وزارة في ٢٠١٧، وكان نائبا لرئيس الوزراء لشؤون التنمية، ينقل ” الجواد” الفشل معه ويغلفه بحلاوة اللسان وجميل الكلام، مثل قصصه التي الفها “من اجل عيون ليلي” وصفية بنت الأرض” ، في حين انه حرق الأرض يابسها و اخضرها بسياساته.

مقالات ذات صلة

يعتقد بعض الساسة ان الدكتور العناني اكل لحم الأردن ولبس جلد الأردن ثم تنكر له وأطلق معزوفة شذوذ بلحن “الحقوق المنقوصة” التي من خلالها أصبح رئيسا للديوان الملكي، وطبعا اليوم يؤكدها ضمنا لأنه لم يصبح رئيسا للوزراء باعتباره “الاقدر المنقوص”.

ولكن لا تقاس حلاوة الاقتصاد بحلاوة اللسان، فبين حروف اقتصاداته كان يكمن سم ثعبان في زمن اختلط الحابل بالنابل ،ولم يكن لتصريحاته أي مفعول إيجابي يتجاوز الاذان سوي مزيدا من الافلاس.

في تعريف السياسة البريطانية يطلق عليه مصطلح الفم الكبير. Big Mouthبينما في الأردن “طقيق حكي” و في مصر ” بق كلام “.

فماذا قدم او فعل سوي تقديم أحاديث عذبة وكلام معسول ونكات بلا توقف؟، وهو الذي استخدم شخصيته الجاذبة واعطي من طرف لسانه حلاوة لرؤساء وزراء، ودمجها بقربه من الأمير الطيب الحسن ولي العهد آنذاك لسنوات مستفيدا ان اباه كان مدرسا له، وان شقيقة المرحوم ينتمي الي تنظيم فتح، في وقت ان الخط السياسي الأردني كان قائم علي:” احضروا شقيق او ابن عم كل من ينتمي الي المنظمات الفلسطينية وزيرا في الأردن لكسر شوكة التنظيمات “.

فظهر من ظهر، في تلك الفترة من ثنائيات غربي وشرقي النهر، ويا تفاهة بعض من أصبحوا وزراء، على حساب الأردن واقتصاده وماله وشعبه، ويعتقد البعض أن من ضمنهم فيلسوف افشال الاقتصاد الدكتور جواد العناني، بطل التنكيت في مفاوضات السلام الإسرائيلي للتخفيف عن الوفد قبل اول لقاء مع الوفد الإسرائيلي في امريكا، وصاحب الوعود الكاذبة وانكار جميل الاصدقاء.

يقول في حديث متلفز أذيع يوم الأربعاء ٢٠ أيلول ٢٠١٧ في العاصمة الأردنية عمان، انه لا يعلم لماذا اتي به الدكتور هاني الملقي نائبا لرئيس الوزراء ورئيسا لفريق الاستثمار والاقتصاد وأصر عليه ومن ثم طرده بعد أربعة شهور، انه يشعر بالندم. انتهي الاقتباس. و يضيف ان الوزراء الاخرين كانوا يتحسسون منه لأنه الاقدم و الافهم طبعا من بين السطور.

كان الأفضل له ان يواجه خرف زحف السنين نحوه عوضا عن الندم بالمشاركة بالحكومة، وأن يصرح وهو قد اقترب من عمر ٧٥، اطال الله في عمره، ان شعور الندم الذي انتابه حين أدرك أن وضعه الحالي كان سيكون أفضل لو تصرف بطريقة مختلفة مع الأردن التي قدمت له كل المناصب فأهداها “الحقوق المنقوصة “، وبالتأكيد كاد ان يكون أفضل لو تصرف بطريقة مختلفة في القرارات الاقتصادية في الماضي والتي اضرت بالشعب الأردني واوصلته والدولة الاردنية الي ما هي غارقة فيه بسببه.

أي منصب رئيس وزراء هذا الذي يبحث عنه، ويعتقد انه الاقدر، بينما المتعوس وخائب الرجاء اجتمعا معا في حكومة ولم يفعلا شيئا.، فكيف بأحدهما دون الاخر؟

تناسي انه قال لبعض من أصدقائه ان الدكتور هاني الملقي كان قد اعلمه قبلها بشهر انه قادم رئيسا للوزراء وانه معه في التشكيل. وقفز هو نفسه عن رفض القبول بسكرتير ارتقي المناصب بسرعة في اقل من عام ونصف أصبح نائبا لرئيس سلطة الاقليم، ثم مستشارا اقتصاديا للرئيس، ثم وزيرا للاقتصاد كان الملقي يري انه الأفضل لتولي مكان العناني، نائبا للرئيس ولكنهما اختلفا وتفرقا وطرد كلاهما من مناصبهما.

لقد قبل العناني بكل شيء بما فيه التوقيع الأعمى على قرارت الحكومة وبشروط مهينة من الصندوق، طالما انه في مركب الحكومة حتى وان كان وزير توقيع بلا فكر، بلا صلاحية، بلا رأي، وبلا مشورة يعمل تحت مفهوم ” نفذ واستلم راتبك واحصل على قيمتك “برستيجك”.

الدكتور هاني الملقي أذكى وأكثر إدراكا للواقع من كلاهما بدرجات، رغم اخطائه في احضار كلاهما الي الوزارة معه، ورغم قراراته السيئة غير المدروسة أحيانا، ولكنه يتحمل نتيجة اعماله ويقر بها ويسعي لتفاديها مستقبلا في تعديله القادم على حكومته حسب المقربين منه.

البعض يري ان الدكتور العناني معه حق ان يزعل، فهي اول وزارة في حياته يطرد منها، و يتم قفشه كما يقولون في مصر، أي “لا تبيع المياه في حارة الساقيين”، وثانيا حقوقه انتقصت فلم يصبح رئيسا للوزراء، خصوصا انه في اول يوم تسلم المنصب وقع دون قيد او شرط، دون مراجعة مجلس الوزراء او استشارتهم بقلم من رصاص على شروط صندوق النقد الدولي وحصل على قرض جديد.

قلم العناني الرصاصي أصاب الشعب في مقتل. فلماذا يطرد وهو المنفذ الاجير للصندوق ؟، هذه وجهه نظره.

اما البعض الاخر فيري ان الدكتور هاني محقا في إخراجه من الحكومة لأنه تسبب في كل ما تتعرض له الحكومة من انتقادات بسبب سياساته الخاطئة الاقتصادية و خلافاته مع فريق العمل وعناده و محاولاته السيطرة علي مجريات الامور بصفة ” الاب الكبير” و الوزير الاقدم.

والأدهى انه يصرح للبرنامج المتلفز و يدعي انه لم يكن يريد العودة للوزارة، و هو امرا اغرب حيث ان الظروف والحقائق و ملابسات تعيينه تظهر انه كان في روسيا عندما كلف الدكتور هاني الملقي بالتشكيل، ومع اول اتصال به و قبل ان يغلق الخط وفي نفس الليلة كان في عمان فرحا بالعودة الي مقاعد الوزراء و ابلغ اصدٍقاء له بالتعيين قبل ان يضع رجله علي سلم الطائرة في طريق العودة، و ما أن وصل حتي بادر مقترحا احد أصدقائه لمجلس الاعيان لتكتمل الحقوق المنقوصة.

وحيث ان الشيء بالشيء يذكر ويتداوله العامة من أبناء الأردن، فأنه في ذاكرة التاريخ ان الرئيس وصفي التل ، الرجل بكل ما تعنيه الكلمة ، كان يضع اللمسات الأخيرة علي تشكيل حكومته الثالثة في يوم ١٣ شباط (فبراير) ١٩٦٥ ، وفي مكتبه كان المحامي البارع ورئيس الوزراء الأسبق له بهجت التلهوني يقدم له النصح و المشورة و المباركة معا ، ومدير مكتبه المرحوم عصام عريضة، وقال التل موجهها حديثه الي رئيس الوزراء ذو الحنكة و الخبرة ، رحمه الله عليه، مبادرا إياه بالقول : يا دولة ابو عدنان ينقصنا وزير من أصل فلسطيني ولا يوجد وقت حيث اننا سنغادر لأداء القسم خلال ساعة امام الملك وليس لدينا اسما معينا. (*الرواية نقلا عن المرحوم الصديق عصام عريضه مدير مكتب الرئيس وصفي التل ).

فرد بمنتهي الذكاء والفراسة رئيس الوزراء الأسبق بهجت التلهوني الذي أصبح رئيسا للوزراء لاحقا، بسيطة يا صاحب الدولة، ليكن اول موظف في الرئاسة او الديوان المجاور لك يطرق بابك هو الوزيراذا كان من أصول فلسطينية، وبالفعل طرق الباب أحدهم تنطبق عليه الشروط فاصطحب الرئيس التل هذا الموظف لأداء قسم وزير المواصلات والطيران والميناء والسكك الحديدية لأشهر ثم طرده في ٣١ تموز(يونيو) ١٩٦٥ مع التعديل.

امضي فيها الوزير اربعه شهور وهو نفس ما اتمه الدكتور العناني مع حكومة الدكتور الملقي من حيث المدة والتمام، أربعة أشهر ثم الطرد والإقالة.

واعود الي قصة وزير مواصلات في حكومة الرئيس وصفي التل، حيث بعدها بأيام دخلت سكرتيرة من الديوان الي مكتب الرئيس التل تقول له ان هناك شخصا يلح في مقابلتك منذ الصباح اسمه فلان، فقال ومن هو فلان هذا؟، فقالت له: يقول انه كان وزير المواصلات في حكومتك قبل ان تعدل، فضحك وقال ادخليه. دخل الوزير وهي يبكي ويشكي للرئيس قائلا يا سيدي ” على الطلاق ما فعلت شيئا يغضبك ” فلماذا تحرمني من الوزارة؟

فأجابه وصفي التل بمنتهي الثقة:” وانا أيضا مثلك، على الطلاق ما بعرف لماذا اتيت بك وزيرا !!!!!”، اذهب واحصل على تقاعدك أربع وثمانون دينارا ولا اريدك هنا مجددا.
ومن يومها لم يعد هذا الانسان الدمث الطيب الذي قادته الصدفة للوزارة الي أي من الوزارات.

زمن الرجال العظماء من أمثال وصفي التل وهزاع المجالي وسليمان النابلسي وغيرهم من القيادات ولي وباتت اشباه قيادات سياسية بالية ذات شعارات وهمية تتحكم في مصير الأردن وتتصدر المشهد.

بنفس الأسلوب الذي حدث مع وزير المواصلات الأسبق ذو الأربعة شهور ثم الطرد والإقالة، لو قابل الدكتور جواد العناني نائب رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي رئيس الحكومة الأردنية اليوم واستفسر منه سبب طرده لحلف رئيس الوزراء يمين الطلاق انه لا يعرف اللحظة التي اتي بالعناني فيها نائبا له ولا لماذا طرده. كان يوم اسود مثلما يقول المثل المصري.

وأيضا لو حدث العكس وسئل العناني: لماذا اتيت بالدكتور هاني الملقي وزيرا للصناعة عام ١٩٩٧ وهي اول وزاره يشارك بها الملقي لأجاب الدكتور العناني: على الطلاق كانت غلطة.

نصيحة من القلب، أيها الجواد في كبوتك تلك، عش حياتك ودعك من كل شيء اخر، لا تطلق عنان الوهم لديك، فقد جُربت ثلاثين عاما، كانت كلفة تشغيلك عالية، كل عام كان بمليار دينار دين.

كفي.، الصندوق مفلس بنفسك وفريقك الاقتصادي.
aftoukan@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى