قهقهات في “البالة”!

#قهقهات في ” #البالة “!
من قلم د. ماجد توهان الزبيدي
……………………………………………………………………………………………………..
كلما قصدتُ محلات “البالة”،بمدينة “إربد” مُتبضّعاً ،مررتُ على صديقي “أبو جميل” الذي يعمل في أحد محلّاتها المتميّزة،وناخذ بتجاذب أطراف الحديث الضاحك المازح الساخر عن “نهفات”اصدقاء مشتركين ،ونتبادل القهقهات دون سبق إنتباه لمن حولنا من الذين يدخلون محلّات البالة ويخرجون بالعشرات أكثر بكثير من أولئك الذين يؤمّون المحلات التجارية للملابس الجديدة المستوردة!
يرشدني ابو جميل دوما بحكم خبرته الطويلة بمزاجي في الملابس الأوروبية المستوردة في البالة إلى الأنواع الجديدة من السراويل والقمصان و”البلوزات” والجاكيتات والبذلات الجديدة التي تم طرحها في فروع محلاتهم ،ويتساهل معي في تبديل بعضها إذا ما أرجعته بعد يوم أو يومين ،إلّا أنه في ظهيرة اليوم ،واثناء تعليقه على منشوراتي المصوّرة التي انشرها على حسابي في “الفيس بوك” في مجال الزراعة والأرض ،أثار قهقهتي بموجة عالية ،عندما قال لي:”ناوي أروح ابحث عن قبر جدّي في “الصريح” وأدقّ عظامه دقّ”!
ـ وما علاقة جدك ووالدك، ب”الصريح”؟(سألته)
ـ صحيح “إحنا” من أهالي بلدة “المشارع” إلّا أننا “هجّينا”عام 1968 بسبب رصاص اليهود ،ل”الصريح”،وانا ولدتُ”بيها”!
ـ هذه معلومة جديدة بالنسبة لي عنك يا ابا جميل! لكن ماذنب عظام جدّك كيّ “تدقّها”دقّاً؟
أخذ أبو جميل نفساً عميقا ،مع “آهٍ”حزينة مُنكسرةٍ،ثم قال: عندما هربنا من المشارع ،سكن جدي ووالدي واُمّي في غرفة تعود لشيخ عشيرة “الشيّاب” الكرام ،أكبر عشائر بلدة”الصريح”،وكسب جدي ثقة الشيخ لما كان يتمتع به ،ووالدي من حب العمل، والتفاني به ،في مجال الزراعة الصيفية في أراضي أهل البلدة ،مما نال إحترام الجيران وجمع غفير من اهل الحارة وفي المقدمة منهم شيخ “الشيّاب” الذي كان يعرف قدر الرجال ، بعد أن رأى بعينيه نجاح “المكاثي”التي كان جدي ووالدي يزرعانها، وتعود خيراتها عليهما وعلى الناس من حولهما،الأمر الذي حدا بالشيخ أن يعرض على جدي قطعة أرض من املاكه قرب “إدارة الترخيص”الحاليّة، هديّة مجّانية، من دون اي ثمن ،مقابل ان يدفع جدي رسم تسجيلها 75 قرشاً أردنياً،في دائرة تسجيل الأرض….
وجدتُ نفسي في لحظة حماسية، أُقاطع صديقي:وهل تم ذلك؟!
ضرب ابو حميل كفّاً بكفٍّ،ثم خبط صباحه بكف يمناه،
ثم شرب كاساً من الماء،إلى أن قال:”أُفكّر أن اذهب لمقبرة” الصريح” القديمة،لعلّني أجد قبر جدّي ،كي أدقّ عظامه دقّاً!لرفضه العرض السخي من شيخ “الشيّاب” ،بحجة أنه يتوق للعودة لمرابع طفولته وشبابه في “المشارع”،وهو لايملك هناك وأولاده سوى غرفتين من الطين،تُعشعشُ في سقف إحداهما أفعى أُم قرون، لم يجرؤ أحد من عشيرتنا الإساءة لها ،بذريعة أنها ،”رصد” ،من يؤذيها تًشلُّ يمينه فوراً،وأنها سبب البركات على العائلة!….
لم اجد نفسي،ُ إلّا وقد أطلقتُ قهقهة عالية الصوت ،قطعت حديث الرجل،من دون تصّنع،منّي، جعلت المارّة في دهشة،فهرولتُ مُسرعاً،مُندسّاً،بين الخارجين ،من سوق “البالة”،هارباً من الموقف،من دون وداع لأبي جميل، الذي تركتهُ بدوره يقهقه من قهقهتي!!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى