قطيشات الذي هرب من الهزيمة
كامل النصيرات
كان يسحب أنفاس الأرجيلة بهدوء وهو ينظر إليّ بعينين ضاحكتين أمام سخريتي من الوضع العام وأمام كميّة إحباطي من أية بارقة أمل تأتي من قبل الحكومات التي تدّعي جميعها مدّ اليد للجميع..!
رغم أن المقهى الشعبي الذي كنا نجلس فيه بعيداً عن أعين المشاهير شاهدٌ على محاولاته المتكررة إقناعي بإني (مزوّدها) في نظرتي للأشياء وأن عليّ أن أتغير (قليلاً) كي تتغير الأمور معي وكي أشعر أن الآفاق (تنفتح) رويداً رويداً..وكان يشدّد عليّ إياك أن تتغير من الداخل؛ قوتك في أن تبقى (أبو وطن) ..وناقشنا كثيراً من التفاصيل التي لا تتخيّلونها..!
لا أنكر أنّ بعضاً من التفاؤل تسرّب إليّ منه..وأعترف بأنه (كلمنجي) درجة أولى وهو يدافع عن فكرته بل و يتماهى معها ويعتقد بأنه يستطيع أن يصنع فارقاً حقيقياً وسط الوحوش والحيتان لمصلحة الإعلام في الأردن..!
قاطعته وهو يسحب نفسا عميقا من الارجيلة وفاجأته بسؤال : ماذا لو وضعوك قبالة الهزيمة وجها لوجه ؟ نظر إليّ بعينين لم أفهمها؛ خصوصاً أنه (تشردق بنفس الأرجيلة) وقال لي : ساعتها سأستقيل ..فقلتُ له: معقول؟ قال بسرعة: ولن أنتظر قبولها.. ! قلت له : وانا شو بالنسبة لي؟ قال لي: ساعتها أنت حر ولن يلومك أحد ..!
ومضت الأيّام..كنّا نتكلّم في الأسبوع ثلاث أربع مرات و الواتس يومياً ..بعدها؛ مرة أو مرتين في الأسبوع وصار هناك اهمال لبعض الاتصالات ولبعض رسائل الواتس..شعرتُ أنه دخل طنجرة الضغط..! بعد مدّة غالبية؛ الاتصالات لا يُرد عليها..والمقهى الشعبي بردت كراسيه بانتظارنا ..
قرأت خبر استقالته في كلّ المواقع..ضحكت..كنت أريد الذهاب للحلاق (لتزبيط ) حالي فعدلتُ عن التنعيمة..لم أتصل به بل أرسلتُ له مسجاً: استقالتك نهائية؟ فجاءني الرد: ولن أعود عنها..وسأشرح لك في مقهانا..
أول أمس؛ التصفيق الحار الذي ناله المحامي محمد قطيشات رئيس هيئة الاعلام السابق أثناء تكريمه الإعلامي يثبت مرّة أخرى أن الهزيمة يمكن الهروب منها إذا وجدتْ مقهىً شعبياً وضميراً و عينين ناظرتين على جراح الوطن.
الكرسيان والأرجيلة والوشوشات بانتظارك صديقي.