قضية ثيوفيلوس وتسريب الأراضي .. هؤلاء المتورطون

سواليف

تتوسع رقعة الاحتجاج على شبهات تورط بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال الأردن وفلسطين للروم الأرثوذكس، ثيوفيلوس الثالث، في تسريب الأراضي الوقفية، عبر البيع أو التأجير طويل الأمد لصالح الاحتلال الإسرائيلي، بينما تكشف وثيقة خاصة، حصلت “العربي الجديد” على نسخة منها، عن تورط مناهضين للبطريرك بعملية تسريب أرض وقفية، عبر بيعها بشكل مخالف للقانون.

وبحسب الوثيقة، أبرم المجلس الملي الأرثوذكسي الوطني – عبلين، في العام 2012، صفقة باع بموجبها “الحقوق الخاصة بالوقف المقدس للطائفة الأرثوذكسية في عبلين، القطعة رقم 023244478″، وهي الصفقة التي تدرس الدائرة القانونية في البطريركية إبطالها، حسب مصادر في البطريركية. وفيما تبين الوثيقة أن الصفقة التي تمت بإجماع المجلس الملي، بيعت خلالها قطعة الأرض لصالح شخصية عربية، إلا أن البطريركية تنظر إليها باعتبارها تسريباً للأرض الوقفية لمخالفتها القانون الذي يلزم موافقة المجمع المقدس والبطريرك على عملية البيع. وتوقعت المصادر أن تكون الأرض سجلت باسم المجلس الملي من قبل البطريرك المعزول إيرينيوس الأول، وبشكل مخالف سهّل للمجلس الملي لاحقاً بيعها بشكل منفرد من دون العودة للمجمع المقدس والبطريرك.

وكان المجلس الملي الأرثوذكسي في عبلين، أصدر نهاية يوليو/ تموز الماضي، عقب اجتماع تشاوري، حضره ممثلون عن المؤتمر الأرثوذكسي والمجالس الملّيّة وأعضاء في المجلس المركزي الأرثوذكسي، بياناً يهاجم فيه تورط البطريرك ثيوفيلوس وأعضاء المجمع المقدس في صفقات بيع للأوقاف الأرثوذكسيّة، مؤكدين أن قضية بيع الأوقاف “قضيّة ضدّ الظلم والاستبداد والاستعباد، كانت قضيّة تحرُّر وستبقى قضيّة وطنيّة بامتياز”. الاجتماع التشاوري الذي انتهى بالمطالبة “بسحب الاعتراف بالبطريرك ثيوفيلوس وتجميد صلاحياته وصلاحيات المجمع المقدس”، جرى في أعقاب كشف الهيئات الأرثوذكسية في الأردن وفلسطين عن سلسلة صفقات عقدها البطريرك، تم بموجبها بيع أراضٍ وقفية أو تأجيرها لأمد طويل للاحتلال الاسرائيلي أو شركات مرتبطة به، وآخرها صفقة “باب الخليل” في مدينة القدس، والتي بموجبها تم تأجير فندقي “إمبريال” و”البتراء” وبيت في المعظمية لمدة 99 سنة لثلاث شركات استيطانية. اتهامات تنفيها البطريركية في معرض تأكيدها خوض معارك قضائية لإبطال الصفقات. ويقول عضو المجلس المركزي الأرثوذكسي في الأردن وفلسطين، زياد العمش، إن “مشكلتنا مع البطريركية التي يهيمن عليها اليونانيون المفرطون بالأرض”. ويبين أن “الأراضي الوقفية تكون مسجلة باسم الكنيسة، ولا يمكن بيعها إلا بموافقة المجمع المقدس وتوقيع البطريرك. أي عقود بيع أو تأجير للأوقاف لا تحمل توقيع البطريرك عقود لاغية”. ويتهم العمش البطريركية بمحاولة تضليل الرأي العام، وتشويه صورة المناهضين لتفريط البطريركية بالأوقاف عبر اتهامهم بحمل أجندات إسرائيلية. وقال “سنفرح لو انتصرت البطريركية في قضية باب الخليل، ولو تمكنت من استرجاع جميع الأراضي التي بيعت أو أجرت لفترات طويلة”.

وأصدرت البطريركية أخيراً بياناً شديد اللهجة، اتهمت فيه الناشطين في مناهضة تسريب الأراضي للاحتلال، والمطالبين بتعريب الكنيسة، بتنصيب أنفسهم “عدواً للبطريركية” وبتطابق أهدافهم الخاصة مع أهداف الجمعيات الاستيطانية، مستخدمين أنصاف الحقائق والوثائق المزورة، والتستر وراء خطاب تحريضي مغلف بثوب وطني زائف، للتحريض ضد الكنيسة وفتح المجال لبث الفتنة. مصادر مقربة من مجلس ملي عبلين، أكدت صحة عملية البيع، لكنها نفت أن تكون الصفقة، التي عقدها المجلس الملي، تشكل تفريطاً بالأرض أو تسريباً لها على غرار الصفقات التي تعقدها البطريركية. وحسب المصادر، فإن الأرض التي بيعت تقع بين مدينة الناصرة وقرية عبلين، في منطقة تخلو من التواجد المسيحي، وأن عملية البيع تمت لأغراض تمويل شراء قطعة أرض بديلة داخل حدود القرية. لكن مصادر في البطريركية ترفض تلك التبريرات، وتؤكد أن أي تصرف في الأراضي الوقفية من دون مراعاة الطرق القانونية يمثل اعتداءً على الأوقاف وتسريباً لها مهما كانت الجهة المشترية.

وملف أوقاف الكنیسة الأرثوذكسية في فلسطين من أكثر الملفات الضاغطة على البطريركية، وعلاقة رئاستها اليونانية بالهيئات الأرثوذكسية العربية المطالبة بتعريب الكنيسة، أو منح العرب دوراً أكبر في صنع القرار. وفي العام 2005 عزل البطريرك إيرينيوس الأول، بعد ثبوت تورطه ببيع ممتلكات في القدس لجمعية استيطانية، ليخلفه البطريرك ثيوفيلوس الثالث متعهداً بالعمل على استعادة الأوقاف المسربة. لكن سرعان ما وجد ثيوفيلوس نفسه ملاحقاً بالاتهامات ذاتها التي كانت سبباً بالإطاحة بسلفه، بعد كشف وسائل إعلام إسرائيلية والهيئات الأرثوذكسية عن تورط البطريركية بصفقات بيع جديدة. وإضافة لصفقة “باب الخليل” يجري الحديث عن خمس “صفقات” أخرى بين 2011 و2016، استولت إسرائيل بموجبها على أراضٍ وقفية في أبو طور، الواقع قسم منها عند حدود 1967، بمساحة تبلغ 10 دونمات، وطبريا بنحو 11 دونماً، وبيع 58 دونماً من أراضي الوقف الأرثوذكسي في الرملة، و8 دونمات من أملاكها في يافا، وكذلك 340 دونماً في قيسارية، جنوب حيفا.

ورفعت تلك الكشوفات وتيرة الاحتجاجات ضد البطريركية والبطريرك الذي تعالت أصوات تطالب بعزله، وأحيت المطالبة بتعريب الكنيسة أو منح العرب دوراً أكبر في صنع القرار، بعد تحميل ما يعتبر “الهيمنة اليونانية” على الكنيسة مسؤولية التفريط. أمام الاتهامات، وتعاظم الاحتجاجات في فلسطين والأردن، آثرت البطريركية الصمت وعدم الرد، وواصلت مخالفة أحكام القانون الأردني رقم 27 لسنة 1958 الذي تخضع له بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسة، والذي يلزمها بالتعامل بشفافية مع موازناتها المالية. كما تُواصل الامتناع عن الكشف عن البيانات التفصيلية للأراضي الوقفية وما تبقى منها وما سرب وما تخوض نزاعاً قانونياً لاستعادته، وسط وعود بالكشف عن تلك البيانات. لكن مع تنامي حملة الاحتجاج، خصوصاً في فلسطين، بعد تراجعها في الأردن نتيجة ضغوط رسمية أردنية، قررت البطريركية، المدعومة من السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الأردنية، الاشتباك بشكل علني مع مناهضيها والمطالبين بتعريبها رداً على تورطها في بيع الأراضي الوقفية، فخرج البطريرك ثيوفيلوس في أغسطس/ آب الماضي، بمؤتمر صحافي نادر من العاصمة عمّان، يؤكد فيه دفاع البطريركية عن الأوقاف.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى