قضية أمّة
م. #أنس_معابرة
كتب مشكم بن سلام أحد زعماء يهود خيبر رسالة إلى أبرهة عظيم الحبشة أثناء احتلاله لليمن وهمه بالهجوم على البيت الحرام في مكة يقول فيها: “إننا على اختلاف ديننا؛ إنما نعمل لغاية واحدة هي تفريق كلمة #العرب وتمزيق وحدتهم، حتى يتسنى لنا أن نخضعهم وبلادهم لسلطان الروم. وكنا تعاونّا فيما مضى، ونحب أن نزيد من تعاوننا حتى تتحقق مطالبنا في وقت قريب. وأعلم يا عظيم الحبشة أن لي جواسيس في كل بقعة من بقاع الجزيرة، ينقلون إليّ الاخبار ويعقدون الصفقات ويذللون العقبات، وقد فرغنا من تشييد مستعمرة جديدة في أرض بني شيبان على غرار مستعمراتنا في يثرب وخيبر وفدك وتيماء ووادي القرى”.
وأشار بعض المؤرخين إلى تورط #اليهود من خلال الجواسيس والعيون في المذبحة العربية الكبرى بين قبيلتي بكر وتغلب أبناء وائل، التي ضمنت لهم شراء الأراضي وإقامة الحصون، كما استغلها الأحباش في غزو اليمن والسيطرة عليه، وتهديد الكعبة المشرفة لاحقاً.
بغض النظر عن دقة الكلمات الواردة في رسالة مشكم وصحتها؛ إلا أنني أتحدث هنا عن دور لليهود في الوقيعة الكبرى بين العرب قبل مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحديداً في الفترة التي سبقت عام الفيل.
لقد أدرك اليهود جيداً أن الوسيلة الوحيدة لضمان وجودهم وسيطرتهم على الجزيرة العربية لا تتم إلا من خلال التفريق بين العرب قديماً، والمسلمين اليوم، وذلك من خلال اثارة النعرات الطائفية والقبلية بين الأخوة، واشعال فتيل الفتنة فيما بينهم، حتى لو كان السبب الرئيس تافهاً لا يعدو ناقة للبسوس؛ خالة الجليلة زوجة كُليب، أو حتى جملاً لكليب بن ربيعة نفسه.
اليوم يدرك اليهود جيداً الدرس الذي يتوارثونه عن أجدادهم الذين أُخرجوا من جزيرة العرب بعد أن توحدت كلمة العرب تحت راية الإسلام، وتوسعت خيمة الدين الاسلامي لاحقاً لتضم العجم في الشرق والغرب، وباتت شوكة الإسلام قوية حينذاك، ولا طاقة لليهود أو غيرهم بالمسلمين في ذلك الوقت.
وسار على ذات الدرب اليهود مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وذلك من خلال محاولة اثارة العرب على بعضهم البعض، وعلى اثارة النعرات الطائفية والقومية بين العرب والترك، وعندها تدخلت القوى الاستعمارية؛ الأداة في يد اليهود، لتقسيم العرب والمسلمين إلى قوميات وأوطان يفصل بينها خيوط أوهن من شباك العنكبوت.
إن ما تشاهده اليوم أفعال وتسمعه من أقوال بأن #قضية_فلسطين تخص أهلها فقط من هو إلا نتيجة للعمل الجاد من اليهود والمستعمرين لعقود طويلة من الزمان، الذين وضعوا تلك القوميات الضيقة والحدود الوهمية والوطنيات الكاذبة، ثم أقنعونا بالدفاع عنها، والنأي بأنفسنا عن التدخل في أحوال جيراننا، والدفاع عنهم ومساعدتهم في حال الاعتداء عليهم.
كما أدرك اليهود أن المسلمين لا تقوم لهم قائمة إلا بعد العودة إلى تعاليم ديننهم، والالتزام بشريعتهم السمحة، التي تدعو إلى الوحدة، والتمسك بدين الله عز وجل وكتابه الكريم وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، حينها ستذوب كل تلك القوميات والحدود التي افتعلوها بين العرب والمسلمين.
وبالتالي كان واجباً عليهم إبقاء المسلمين بعيداً عن دينهم، وذلك من خلال اشغالهم في الحصول على الأساسيات للحياة، ثم السعي وراء مطاردة الكماليات، وذلك عبر الاقتراض والديون والدخول في المشاكل الاقتصادية والسياسية والأمنية الداخلية.
لا بد أن يدرك الجميع أن فلسطين قضية أمة، لا تخص أهلها فقط، بل نحبها وندافع عنها وعن قضيتها أمام المحتل الصهيوني كما نحب مكة والمدينة والشام والعراق واليمن، فهي أمة واحدة، لديها من نقاط الألفة والاجتماع ما يفوق نقاط الفرقة والاختلاف بكثير.